المعروف عن مصممة حقائب اليدّ اللبنانية سارة بيضون، أنها منذ خوضها هذا المجال في العام 2000، وهي تستعين بمهارات سجينات حاليات وسابقات في الأشغال اليدوية والحِرفية، وتقدّم لهن بالتالي فرص عمل متنوعة في مجال تصنيع وتطريز الحقائب، وها هي تعرض اليوم تصاميم يدوية Canvas من صنع السجينات، يعود ريعها لأغراض واحتياجات خاصة بهن داخل سجون لبنانية ثلاثة، بالتعاون والتنسيق مع جمعية «دار الأمل».
حول هذا المعرض والهدف منه، تقول سارة بيضون لـ«سيدتي» إنها أرادت من خلاله تسليط الضوء على معاناة السجينات وإيصال صرختهن؛ من خلال الحِرَف اليدوية التي تمّ تدريبهن عليها منذ سنوات... وها هي اليوم معروضة أمام الجمهور.
وأضافت: «هذه الأعمال تعود لعشر سجينات مبدعات، جلست معهن طويلاً لاكتشاف ماذا يجول في خاطرهن، وما هي هواجسهن.. وبعد عدة جلسات، طلبت منهن ترجمة هذه المشاعر والأحاسيس على القماش؛ فكانت النتيجة مذهلة؛ لما يعانين من ظلم وأسى وقسوة داخل السجن.. واشتياق لعائلاتهن في بعض الأوقات.
لذلك ما نشاهده اليوم هو عبارة عن لوحات معبّرة عن مشاعر وأحاسيس السجينات؛ خاصة أن كل واحدة منهن جاءت قصتها مختلفة عن الأخرى».
لوحات وقصص
على سبيل المثال، عبّرت لوحة «من التلاتة للتلاتة» عن حالة حب عاشتها إحدى السجينات لمدة خمس سنوات مع شخص كان يزور ابنة عمه أسبوعياً داخل السجن، ولم تتعدّ علاقتهما لمسة اليد التي كانت تعني الكثير للسجينة؛ فهي كانت تنتظر زيارته الأسبوعية بفارغ الصبر كل نهار ثلاثاء، ولكن بعد 5 سنوات انقطع التواصل معه، ولم تعد تعرف عنه شيئاً، ولذلك أرادت السجينة أن تعبّر عن مشاعر وأحاسيس الانتظار من خلال هذه اللوحة؛ حيث كانت تعدّ الأيام وتشطبها حتى يحين الموعد وتلتقيه.
وحول هذه الرسمة، تقول سارة: «برأيي أن هذا العمل ليس مجرد إكسسوار يوضع داخل منزل؛ بل هو عمل يدوي مميّز، يعبّر عن جمالية العلاقة التي كانت تربط السجينة بالزائر؛ خاصة أن هذه العلاقة أسهمت في دعمها وتعزيز قدرتها على تحمّل الصعاب، لوحة أخرى بعنوان (النزهة)، وهي عبارة عن فسحة الأمل والحرية التي تعيشها السجينات على سطح مبنى السجن لمدة 50 دقيقة يومياً، وهي الأمل الوحيد لهن؛ حتى يتنفسن الهواء النقي ويشاهدن الشمس... فهذه اللوحة خير دليل على سعادة وفرح السجينات خلال هذه اللحظات».
وتقول سارة، حول لوحة بعنوان «يا عدرا»: «إن السجينة اختارت هذا العنوان؛ لأنها مشتاقة كثيراً لأولادها، وهي تدعو كل يوم أن تراهم؛ خاصة أن فترة عقوبتها في السجن قد انتهت منذ سنتين، وهي لاتزال حتى يومنا هذا مسجونة ولم يطلق سراحها، وسيسهم ثمن هذه اللوحة في إعادة فتح ملفها من جديد.
أما لوحة (خلّي السعادة عادة)؛ فهي لسجينة برازيلية مسجونة منذ فترة بتهمة تعاطي وتهريب المخدرات، وعلى الرغم من هذه الظروف الصعبة التي تعيشها؛ فإنها لاتزال تتمسك بالأمل والحياة والسعادة، علّها تعود إلى ديارها بعد انتهاء مدة العقوبة، وهي تتواصل معنا بواسطة الإشارات؛ لأنها لا تتقن اللغة العربية على الإطلاق».
لوحة «التأمل» وهي عبارة عن لحظات تأمل تعيشها السجينات عندما يفكرن في الحياة خارج جدران السجن، وكيف ستكون حياتهن بعد لقائهن بأهلهن وأولادهن... وهل سيتم قبولهن أو رفضهن من المجتمع بشكل خاص؟
أما مجموعة «الاكتظاظ» فهي عبارة عن عدد من الرسمات لفكرة واحدة تدور في ذهن السجينة، وهي الاكتظاظ الذي تشهده السجون بشكل مستمر؛ خاصة أن حوالي 25 سجينة يكنّ موجودات داخل غرفة واحدة؛ مما قد يشعرهن بالاكتظاظ والاختناق وضيق التنفس وعدم القدرة على التحرّك بسهولة.
وهناك أيضاً مجموعة ثانية بعنوان «حلمي نام شي ليلة»، وهي عبارة عن عدد من الرسمات لفكرة واحدة، تدور حول رغبة السجينات بالنوم الهانئ؛ حيث إن أكثر من سجينة تنام على سرير واحد.
وتختتم سارة قائلة: «ونأتي إلى لوحة (الممنوعات) داخل السجن، وهي عبارة عن مجموعة من الأغراض يمنع على السجينة أن تحتفظ بها، وثمة لوحة أخرى بعنوان (نهار الأحد فقط) تحكي عن اهتمام السجينات بجمالهن نهار الأحد حصراً».
السجن للتأهيل وليس للعقاب
أما هدى حموية قرى، مديرة جمعية «دار الأمل»؛ فتعتبر في حديثها أن «السجينات في جميع سجون لبنان لا بدّ أن يتم تأهيلهنّ وليس معاقبتهن؛ لأنهن ضحايا لمجتمع ظالم غير سليم».
وأضافت: «تأسست الجمعية عام 1969، وهي تعنى بحماية الأطفال والنساء ضحايا العنف الأسري والاستغلال بكل أنواعه، وتمتلك مراكز وقائية وتوعوية في مختلف المناطق اللبنانية، وتهتم بدرجة كبيرة بإعادة تأهيل واندماج الفتيات القاصرات في المجتمع، بالإضافة طبعاً إلى اندماج السجينات، ولذلك توجد الجمعية داخل سجون النساء في لبنان بشكل يومي؛ من خلال فريق عمل متعدّد الاختصاصات، إن كان لناحية الأخصائيات الاجتماعيات أو المعالجين النفسيين؛ لتقديم يد العون والمساعدة للسجينات؛ لأننا نعتبر أن السجن هو مكان للتأهيل وليس للعقاب؛ فنحن لا نحكم على السجينات مهما كانت جريمتهن؛ لأننا نتعاطى معهن كإنسان، وإذا عدنا إلى الوراء وتابعنا الأسباب التي جعلتهن يدخلن إلى السجن، لوجدنا أنهن ضحايا مجتمع غير سليم... ومن الحالات التي نتعاطى معها بشكل سريع وضروري؛ وضع السجينة لمولودها داخل جدران السجن، أو زيارة أهل إحدى السجينات لإعادة العلاقة بين الطرفين... وهي جميعها قضايا إنسانية بحاجة إلى حل سريع».
وختمت هدى حموية قرى حديثها، مشدّدة على «ضرورة تقديم يدّ المساعدة الاجتماعية والنفسية للسجينات، وتأهيلهن جيداً لمواجهة المجتمع الخارجي، وعدم العودة إلى السجن مجدداً؛ خاصة أن مجتمعنا لا يرحم».
مع السجينات
أما السجينة «ج. س»، والتي رفضت الكشف عن هويتها؛ فتقول: «إن السجن ظالم، ولا توجد أمكنة مخصصة للقاصرات؛ فالسجينات يعانين من الاكتظاظ من جميع الأعمار والعقوبات، وبصراحة طوال فترة وجودي داخل السجن لم أتعامل مع أي منهن، وكنت دائماً أهتم وأحرص على العمل الذي كانت تقدّمه لي سارة بيضون، ولا أخفي سرّاً إذا قلت إنه أصبح لي مورد رزق بعد خروجي من السجن بسببها، وأكثر ما كان يحزنني داخل السجن هو وجود سجينات قاصرات بتهمة تعاطي وترويج المخدرات، وهنا يخطر على بالي سؤال وهو؛ أليس لهؤلاء الفتيات أهل يخافون عليهن ويتابعونهن... ولماذا نلن هذا المصير المأساوي؟».
وحول سبب دخولها السجن، ردّت «ج. س» بأن السبب «كان توقيعي لسندات أمانة بمبلغ مادي كبير لشاب تعرّفت عليه عندما كنت طالبة جامعية، وقد وعدني بأن يشتري شقة بالمبلغ، نعيش فيها بعد الزواج، ولكن للأسف أخذ المال وهرب، وتخلى عني بكل بساطة، وأنا دفعت ثمن حبي له داخل السجن».