نضال

نبهته إحدى سكرتيرات القسم المالي إلى أن أجل تسجيل وليدته الأخيرة على وشك الانتهاء، كان قد طلب منها مطبوع التعويضات المالية، ونسي الأمر تمامًا. تعقيدات عملية زوجته، ومشاكل تدبير كلفة علاجها شغلته وأنسته أشياء كثيرة، أوكل أمره لله وجرى يحضر الوثائق المطلوبة، وأولها عقد ازدياد الطفلة.

ذهب إلى مكتب المقاطعة البلدية القريب من منزله، ولم يجده مزدحمًا، تنفس بارتياح ووقف خلف الشخصين اللذين سبقاه، حسنًا فعل بالتبكير في القدوم، تأكد وهو يرى المواطن الأول يقضي غرضه بسرعة بأن الأمور تتحسن في البلد، لم يعد من الضروري السفر إلى المدينة التي ولد فيها الطفل لاستخراج عقد ازدياده، صار من الممكن فعل ذلك في أي بقعة من الوطن، ولم تعد البلدية تحتكر وحدها هذه الخدمات، أصبحت المقاطعات المنتشرة بين التجمعات السكنية تتيح للمواطنين الحصول على ما يريدون.

دخل حين حان دوره، وألقى الموظف نظرة سريعة على ورقة طلبه، ثم سأله عن مكان سكناه، أجاب بأنه يقطن في حي الزهور التابع للتجمع السكني الرابع...

 «تريد استخراج عقد ازدياد طفلتك... مرحى النجار... أليس كذلك؟ مرحى... ما هذا الاسم يا سيد؟ كيف قبلته مصلحة الحالة المدنية؟» شخط فيه، ورد موضحًا «إنه اسم عربي جميل. يفيد الفرح باستقبال الوليدة والاستئناس بمقدمها»، زوجتي معلمة لغة عربية...

«ليكن، لكنه ليس اسمًا مغربيًّا، كان من المفروض أن يُرفض!» أصر الموظف، وتابع «ما علينا، المال يزيل كل العقبات، أليس كذلك؟ الطفلة مزدادة بأغادير، لماذا لم تسافر إلى هناك لتستخرج عقدها؟»

«لا وقت لديَّ، أجل دفع مطبوع التعويضات ينتهي غدًا »

«عليك أن تذهب إلى البلدية، حاسوب المكتب معطل، التالي! »

لماذا لم يصرفه من الأول؟ بلع احتجاجه وخرج حانقًا.

 فهم الآن لماذا لم يتأخر الذين سبقوه في المكتب.

أخذ سيارة أجرة إلى البلدية، وقف في الطابور وانتظر دوره، تفحص الموظف البدين الذي كان يمضغ علكة خضراء ورقة طلبه، وسأل زميلته عن مكتب المقاطعة الذي يتبعه التجمع السكني الرابع، المكتب التاسع عشر، ردت عليه دون أن ترفع رأسها عن صفحة المسجات في هاتفها المحمول. قال له بأن عليه أن يقصد ذلك المكتب. شرح للموظف بأن الحاسوب هناك عاطل. «اذهب إذن إلى مكتب المقاطعة المجاورة، الثامنة عشرة أو العشرين. فهمت؟» لدينا ما يكفي من العمل، لن ننجز وظائف مكاتب المقاطعات أيضًا...

تنهد وهو يترك المكان، لا فائدة من المناقشة، معروف عن موظفي البلدية سرعة نفاد صبرهم، وحدّة انفعالهم. أخذ سيارة أجرة إلى المقاطعة الثامنة عشرة، ووجد مكاتبها مقفلة، « أعمال صيانة » قال له باقتضاب حارس الأمن الخارجي عندما استفسره عما يحدث، أعمال صيانة؟ لم يرَ عمالاً، ولا أدوات، ولا آلات، فقط ممرات خالية ومغبرة، وأبواب ونوافذ موصدة.

رفع عينيه إلى السماء بإحباط، ومشى باتجاه المقاطعة العشرين، لا داعي لإنفاق كل ما في جيبه على سيارات الأجرة.

ردت موظفة المكتب على تحيته، واستبشر خيرًا، عادة لا يكلف العاملون في هذه المصالح أنفسهم عناء التأدب مع المواطنين، شرح لها حالته، وقالت إن بإمكانها أن تحل مشكلته، دخلت في تلك الأثناء زميلتها وفي يدها كأسي شاي، وضعت أحدهما أمام الموظفة الأولى، والتفتت إلى المواطن، أشرق وجهه، وابتسم لها، يعرفها جيدًا، زكية العامري، درست معه في الثانوي، وكانت كسولة، كيف دبرت هذه الوظيفة؟

«اشربي شايك يا عزيزتي، لن يطير العمل»، قالت لزميلتها، ولم يبدُ عليها أنها تعرفت عليه.

«كم نسخة تريد؟» سألته الموظفة الأولى، ورد بشيء من الحرج «عشر نسخ، أحتاج إليها لتقديم طلب التعويضات العائلية للشركة

عشر؟» شهقت زكية باستنكار

«هل بإمكانك أن تنتظر نصف ساعة؟ سيتطلب الأمر بعض الوقت...» سألته الموظفة المهذبة، وقاطعتها زكية بغضب «نصف ساعة؟ أنت مجنونة؟ لست آلة، اسمع، عُدْ غدًا

ولكنني مستعجل »

وغيرك أيضًا، لا تقولي كلمة يا فاطمة، تُورطين نفسك دائمًا بطيبتك الزائدة، »

عُدْ في نهاية الدوام » قالت فاطمة بحرج، وخرج بعد أن شكرها.

شعر بالعياء.

لا يبدو أن شيئًا تغير في البلد!