للمرة الأولى في تاريخ السعوديّة، تحظى المرأة بدور في السياسة المحلية كناخبة ومرشحة في الدورة الثالثة من الانتخابات البلدية التي تنطلق في شهر أغسطس /آب الحالي، ويأتي ذلك بعد تجربة خجولة في انتخابات الغرف التجارية الصناعية، في حين تأمل السعوديات أن يكون حضورهنّ أقوى في انتخابات المجالس البلدية التي تعدّ أهم حركة انتخابية في السعودية. حيث أكد نائب رئيس اللجنة العامة لانتخابات أعضاء المجالس البلدية عبد الرحمن الدهمش على أنّ حضورًا حقيقيًّا سيسجّل للمرأة في الانتخابات المقبلة، وهو الأمر الذي كان مقرراً في الانتخابات الماضية في عام 2011 لكنها تأجلت بسبب عدم جاهزية مراكز الانتخاب لاستقبال النساء. إلى جانب مشاركة النساء المرتقبة أقرّت بعض التغييرات، وأبرزها رفع نسبة أعضاء المجالس البلدية المنتخَبين إلى الثلثَين بعدما كان نصفهم فقط من المنتخَبين، بالإضافة إلى تخفيض سن التسجيل كناخب إلى 18 عامًا بدلًا من 21 عامًا. وهو الأمر الذي من شأنه أن يعزز مشاركة الشباب، في حين سوف تشكّل النساء نسبة 20% من اللجان المحلية.
مزيد من الصلاحيات
ومن المتوقّع أن يحصل المجلس البلدي الثالث في السعوديّة على صلاحيات أكبر من المجلسَين السابقَين، بالإضافة إلى أنه سوف يكون منتخبًا بنسبة الثلثَين، يُعيَّن الثلث الأخير من قبل وزير الشؤون البلدية والقروية، وهو الأمر الذي يمنحه قوةً أكبر، كذلك سوف يكون المجلس مسؤولاً عن دراسة مشروعات المخططات السكنية، ونطاق الخدمات البلدية، ومشروعات نزع الملكية للمنفعة العامة، وضم أو فصل البلديات، والرسوم والغرامات البلدية، وشروط وضوابط البناء، ونظم استخدام الأراضي، وسوف يضطلع المجلس الجديد بمهمة مراقبة أداء البلدية وما تقدمه من خدمات، على أن تشمل سلطات المجلس البلدي الرقابية مراجعة إجراءات تقسيم الأراضي وإجراءات منح الأراضي السكنية للتأكد من سلامتها.
وتؤكد الناشطة الحقوقية زينت الخضري" لسيدتي نت" على أنّ لحضور المرأة في الانتخابات كناخبة ومرشحة أهمية كبرى، تتخطّى التجربة بحدّ ذاتها، حتى لو لم تنجح أي من هؤلاء النساء في الوصول إلى المجلس. وتضيف قائلةً:" إنه قد تكون المجالس البلدية غير مهمّة على المستوى السياسي، لكنها خطوة أساسية. هي المرة الأولى التي يُصار إلى الاعتراف بحق المرأة العادية كناخبة ومرشحة، وإنّ تجربة انتخابات الغرف التجارية لم تكن ذات قيمة لأنها خاصة بسيدات الأعمال، أما الانتخابات البلدية فهي متاحة للجميع، وهذا بحدّ ذاته أمر في غاية الأهمية وخطوة كبيرة للأمام، وهي تأتي وفق سلسلة من المتغيّرات في المجتمع السعودي، بدءًا من دخول المرأة مجلس الشورى وترقيها في المناصب الإدارية لتبلغ منصب وكيلة وزارة، ونحن نأمل أن تتواصل هذه النقلات في المستقبل".
نساء أعلنّ ترشحهنّ
هذا ومن المتوقّع أن تخوض أكثر من 80 امرأةً سعوديةً انتخابات المجالس البلدية، وقد كشفت الناشطة الاجتماعية فوزية الهاني عن نيّة سعوديات كثيرات في الترشح، وهي واحدة منهنّ. وقالت إنها تعلم جيدًا أنّ عشر نساء سيرشحن أنفسهنّ في كل منطقة إدارية، ومن شأن ذلك أن يرفع من حظوظ المرأة السعودية في دخول المجالس البلدية المقبلة. إلى ذلك أعلنت الناشطة الاجتماعية سيدة الأعمال حنان الدهام عن نيتها الترشح لعضوية المجلس البلدي في الدمام.
وبهدف توعية النساء حول حقوقهنّ وحول أهميّة أصواتهنّ ودورهنّ في الترشيح، وقد أطلق صندوق الأمير سلطان بن عبد العزيز لتنمية المرأة أخيرًا، حملة لتحفيز النساء على المشاركة في الانتخابات تحت عنوان "صوتكِ يصنع التغيير".
من جهتها توضح مديرة الإدارة العامة للخدمات النسائية في أمانة العاصمة الرياض هيفاء النصار أنّ ما من مقاعد محددة للنساء، بالتالي سوف يكون الانتخاب حرًا، والذي يحصل على نسبة أصوات أعلى سواءً من الرجال أو النساء يفوز بالمقعد. وأنه في حال فوز نساء ستعقد كل الاجتماعات عبر الشبكة الإلكترونية ولن تكون مباشرة، وفقًا للضوابط الشرعية. أما شروط ترشّح النساء فهي نفسها التي تطبّق على الرجال، وهي تنصّ على ألا يقلّ عمر المرشح أو المرشحة عن 25 عامًا ولا يقلّ المؤهل الأكاديمي عن شهادة الثانوية العامة، كذلك يُمنع نشر الصور في الحملات الانتخابية لكلا الجنسَين، وسوف يُراقب ذلك بدقّة بخلاف الانتخابات الماضية.
هذا وتلقى مشاركة المرأة كناخبة ومترشحة في المجالس البلدية في انتخابات الدورة الثالثة للمجالس البلدية بالمملكة رضا وقبولًا كبيرين بين الأوساط النسائية السعودية حسب تأكيدات عدد من النخب النسائية المتضمن تطلعهنّ لأن تنعكس تلك المشاركة بشكل إيجابي على مخرجات المجالس البلدية بعد دخول المرأة (نصف المجتمع) إليه. وقالت الدكتورة عائشة نتو عضو المجلس الأعلى للتعليم المهني والتقني وسيدة الأعمال بأنّ فتح الباب أمام المرأة والتي تعد نصف المجتمع يأتي ضمن رؤية الدولة وحكمتها في الوصول بهذا البلد لما فيه الصالح دون تسرع؛ خصوصًا وأنّ ثقافة الانتخاب لازالت جديدة على المجتمع وغير مألوفة فيه. وتوقعت الدكتورة نتو أن يسهم دخول المرأة للمجالس البلدية في المزيد من النجاح لتلك المجالس، وقالت:" تعد المرأة نصف المجتمع وسيكون لوجودها بالتأكيد إضافة إيجابية"، مشيرةً إلى أنّ التجربة ستسهم أيضًا في المزيد من الخبرة للسيدات المشاركات سواءً كمترشحات أو ناخبات، مبينةً بأنها استفادت بشكل كبير من تجربتها السابقة في دخول معترك انتخابات مجلس إدارة غرفة جدة للتجارة والصناعة.
بدورها قالت فريدة محمد علي فارسي عضو لجنة المدارس الأهلية للبنات في غرفة تجارة جدة:" إنه وعلى الرغم من التحفظات الكثيرة على أداء وعمل المجالس البلدية خلال الدورتين السابقتين إلا أنّ دخول المرأة كناخب ومترشح في هذه الدورة يبعث الأمل على أن يتحسن أداء وعمل تلك المجالس". وقالت فريدة فارسي:" لا زلنا نطمع بأن يكون دور المجالس ملموسًا في نقل مطالب وحل مشاكل سكان الأحياء خصوصاً وأنّ أعضاء تلك المجالس تم انتخابهم من قبل الأهالي".
من جهتها أكدت غادة عباس غزاوي نائبة رئيس لجنة الدعاية والإعلان في غرفة جدة عن دورتها السابقة قناعتها بأنّ دخول المرأة كمترشحة وناخبة للمجالس سيضيف لعمل المجلس، خصوصاً وأنّ تلك المشاركة تأتي بعد انتظار، وبالتأكيد سيكون لدى المترشحات الراغبات في خوض تلك التجربة ملفات جاهزة للعمل ستسهم في تفعيل عمل المجالس البلدية من منظور شقائق الرجال. كما قال سعود التويم المتحدث الإعلامي لانتخابات المجلس البلدي في جدة:" نحن في جدة يحدونا الأمل كثيرًا في مشاركة المواطنين والمواطنات في الانتخابات البلدية في دورتها الثالثة، وإنّ التعديلات والتنظيمات الجديدة ستساعد في رغبة الناخبين في التصويت خاصةً لفئة الشباب من الجنسين الذين يشكلون نسبةً كبرى في التعداد السكاني، وكذلك رفع نسبة أعداد المرشحين إلى الثلثين، وكذلك التعديلات الكبيرة في نظام المجالس البلدية والصلاحيات الواسعة التي منحت لها وهو ما سيعطي تجربة انتخابات أعضاء المجالس البلدية خلال هذه الدورة زخمًا كبيرًا ومشاركةً أوسع".
وأضاف:" إذ نتطلع إلى تفعيل المشاركة الوطنية كجزء من المسؤولية المجتمعية من قبل سكان محافظة جدة. في المشاركة يحدونا أمل كبير من أبناء جدة للتفعيل مشاركتهم في انتخابات الدورة الثالثة، وبالنسبة لإجراء قيد الناخبات فسيتم في مراكز انتخابية نسائية مستقلة تعمل فيها لجان انتخابية نسوية مؤهلة".
وقال الدكتور الرمضي بن قاعد الصقري خبير ومدرب بالمسؤولية المجتمعية:" المرأة جزء من المجتمع أو هي نصف المجتمع ولها رؤى وتطلعات فيما يحقق الخدمات التي تحتاجها وهذه خطوة موافقة تجاه توسيع مشاركة المرأة في المجالات التي تهمها وتحتاجها، أما من يرشحون أنفسهم أعتقد لابد من مراعاة المجال المهني للجميع نساء ورجال ووضع ضوابط بالحد الأدنى كالمؤهل العلمي بحده الأدنى، والخبرة الوظيفية، والأداء المجتمعي للمرشح؛ لأننا بحاجة إلى أشخاص لديهم الإحساس بالهم الاجتماعي، فمن كان له دور بارز في المجتمع هو من يستحق التعيين أو الترشيح. أعتقد أنّ هذا العصر بالذات عصر الأداء الجيد. متمنيًا ممن يرشحون أنفسهم أن يدركوا متطلبات المجال، وأن يكون الدافع المشاركة الفعالة في خدمة هذا المجتمع وتطوير المرافق والخدمات وليس لاعتبارات المكانة من هذا الترشيح، وبنفس الوقت أتمنى من الناخبين أن تكون مقاييس الترشيح موضوعية مبنيةً على إدراك واعي بعيدًا عن اعتبارات القرابة أو المناطقية أو مذهبية... إلخ وهذه المرحلة مرحلة المشاركة في القرار لتحقيق التنمية والتمكين لكافة فئات المجتمع ومنها المرأة التي تحتاج مناقشة القضايا التي تهمها في كافة مناحي الحياة المختلفة، ولاشك ستكون تجربةً جيدةً، وخطوةً مبدئيةً للمشاركة في مجالات أخرى، والمرأة السعودية ولله الحمد مثلها مثل الرجل في الأعمال المؤسسية ومؤهلة وقادرة على ممارسة أغلب الأعمال التي لا تتعارض مع الثوابت الدينية."
وأضاف الدكتور الرمضي الصقري:" أما الأعمال التي ممكن أن تؤديها المرأة تتمثل في:
1-توسيع المشاركة المجتمعية ورصد التطلعات وتحديد الأولويات بالحوار المجتمعي في نطاق الخدمات والبيئة المكانية.
2- نقل الأعمال من العمل العشوائي إلى العمل المبني على تخطيط إستراتيجي وفق أهداف واضحة ومحددة ومؤشرات أداء قابلة للقياس.
3- المتابعة والمراقبة للخدمات في مجال الاختصاص.
4- تحديد الاحتياجات المستقبلية للتناغم مع الخطط الخمسية للدولة بناءً على معايير علمية .
5- تفعيل الدور التنموي من خلال ربط وتشبيك منظمات عديدة لأداء دورها فيما يتعلق بالخدمات، وكذلك إشراك أكبر قدر من المواطنين في القرار" نحن انتخبناك لتمثلنا وتبحث احتياجاتنا فخذ آراءنا قبل اتخاذك قراراتك".