العلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر.
وعلى الأمة واجب عظيم تجاه العلماء، فعلى الأمة احترامهم ورفع ذكرهم ومنزلتهم وسماع توجيهاتهم، كما أن للأمة حقوقاً على العلماء ينبغي أن يؤدوها للأمة.
للحديث عن واجبات العلماء في البلاغ وعوامل قيامهم بذلك كان لنا هذا اللقاء مع صاحب الفضيلة الشيخ د. عبد الرحمن السديس إمام وخطيب المسجد الحرام:
ما الواجبات التي ينبغي أن يقوم بها العلماء؟
على العلماء واجبات عظيمة، ومسؤوليات كبيرة، نظراً لمكانتهم الكبرى، ومنزلتهم العظمى، فعليهم ما ليس على غيرهم، لأنهم القدوة والخاصة.
ويتجلى واجب العلماء وتتضح المهام الملقاة على عواتقهم وأداؤهم لواجبهم ومسؤولياتهم عبر المحاور الآتية:
أولاً: العمل بالعلم
فالعمل هو اللبنة التالية للعلم، وهو ميزان صدق العالم، ومعيار انتفاعه بعلمه، ويوم أن تحلى العلماء بالعمل بعلمهم كان لهم الأثر الكبير، نفعاً للبلاد، ونصحاً للعباد، وذكراً حسناً يملأ الآفاق، وحينما انحسر هذا الأمر عند بعض المنتسبين إلى العلم حصلت الزهادة فيما عندهم، ولم يعد لهم الأثر الكبير الذي يؤمل منهم، ورضي الله عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه القائل: "كنا لا نتجاوز عشر آيات حتى نعلم ما فيها من العلم والعمل، قال: فتعلمنا العلم والعمل معاً".
ثانياً: القدوة الحسنة
فالعالم محط أنظار الناس، منه يستفيدون، وإليه ينظرون، وإلى أعماله وأقواله وتصرفاته يبصرون، وعليه يأخذون، لذلك فإن الواجب عليه أن يجعل نفسه قدوة حسنة لغيره، فيظهر بالمظهر اللائق الذي يعكس حسن تطبيقه لعلمه.
ولنا في رسل الله الأسوة الحسنة، فهذا شعيب عليه السلام يقول لقومه:
}وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه{.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: «والله إني لأخشاكم لله
وأتقاكم له» ولله در القائل:
يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام
وذي الضنا كيما يصح به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل مـا تقول ويقتدى
بالفعل منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
وغير تقي يأمر الناس بالتقى
طبيب يداوي الناس وهو سقيم
والناظر في أحوال بعض المنتسبين إلى العلم يلاحظ قصوراً في تحقيق القدوة أمام الآخرين، ولعل هذا من أسباب نفور بعض الناس، مما سبب فجوة كبيرة بين المنتسبين إلى العلم، كبارهم وصغارهم من جهة، وبين العلماء والعامة من جهة أخرى، والكمال لله وحده.
ثالثاً: التعليم
وهذا من أهم واجبات العلماء أن يقوموا بتعليم الناس أمور دينهم، وتبليغهم شرع ربهم، في العقيدة والأحكام والمعاملات وغيرها، فبذل العلم ونشره من أعظم المسؤوليات على عواتق العلماء، وسواء أكان ذلك عن طريق حلقات العلم في المساجد أم في قاعات الدراسة، في المدارس والمعاهد والجامعات أم عقد الدورات العلمية أو نحوها، وهذا المحور ضمانة بإذن الله لسير قافلة العلم سليمة من التعثر، ومتى ما تخلى العلماء عن مهمتهم التعليمية، وتركوا المجال والساحة تصدرها الصغار الأحداث، وهم بطبيعة الحال حديثو التجربة، قليلو الزاد، ضعيفو الخبرة، وإن كنا نرى أنه قد يكون في الصغار من هم علماء، لكن الغالب فيهم ما ذكر، حتى وصل الحال ببعض الناس إلى أن يسفه الكبار، ويقلل من شأنهم، ويحفظ للصغار ما لا يحفظ لهم، ولربما نصّب بعض الصغار أنفسهم حكاماً على الكبار، وفي هذا من الخطورة ما فيه، وقد ذكر ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ أثر عمر رضي الله عنه وقوله:"ألا وإن الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، ولم يقُم الصغير على الكبير، فإذا قام الصغير على الكبير فقد هلكوا".
وقول ابن مسعود رضي الله عنه: «إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في كباركم، فإذا كان العلم في صغاركم سفه الصغير الكبير».
لكن ينبغي أن يعلم الكبار أن طبيعة الصغار تحتاج إلى شيء من حسن التعامل، والتوجيه المصحوب بالرفق والرحمة والإشفاق، حتى يمكن كسبهم، وعدم خروجهم عما عليه كبار علمائهم.
ومما ينبغي أن يعلم أن تجرؤ الصغار على التصدر في الساحة، وغشيان ميادين التوجيه وامتطاء صهوة الإرشاد، واعتلاء دفة الإصلاح، قد يكون بسبب تقاعس بعض العلماء في القيام بواجبهم.
ولله در القائل: «من تصدر قبل حينه افتضح في حينه».
وينبغي أن ينظر إلى مسألة السن نظراً نسبياً فقد تحكم الحاجة أو المصلحة، أو قد لا يطرد ذلك، المهم أن تظل القيادة العلمية وتوجيه قافلة المتعلمين بأيدي الكبار، وليرجع الصغار في ذلك إلى كبارهم، وأن يصدروا عن رأيهم، لاسيما في أوقات الفتن، وحلول النوازل حتى تسلم الأمة من غوائل الشقاق والخلاف، والله المستعان.
رابعاً: الدعوة والبلاغ
وهذه المهمة العظيمة التي يجب أن يضطلع بها أهل العلم، وهم ورثة الأنبياء، والمؤتمنون على ميراث النبوة، فالعلماء عليهم واجب كبير، ومسؤولية جسيمة في القيام بهذه المهمة العظيمة، تأسياً برسل الله عليهم الصلاة والسلام، فهذا نوح عليه السلام يدعو قومه ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، حتى لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً في الدعوة إلى الله، وهكذا كان رسل الله عليهم الصلاة والسلام، وهذا رسولنا إمام الدعاة عليه الصلاة والسلام يعرض دعوة الله في المواسم، ويغشى في دعوته نوادي الناس وأسواقهم، ولم يترك مجالاً فيه نفع للناس إلا طرقه، يقول أبو ذر رضي الله عنه: «ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً». فقد بلغ البلاغ المبين، وما مات عليه الصلاة والسلام إلا وقد دل أمته على كل خير، وحذرها من كل شر.
فعلى علماء الأمة الاهتمام بتبليغ الدعوة الإسلامية على كل الصعد، واستغلال كل الفرص والوسائل الممكنة، وعدم تضييع فرصة متاحة إلا وعرض فيها الخير للأمة، حملاً لهم هذا الدين، وغيرة على أبنائه، وتحقيقاً لمصالحهم، ودرءاً للمفاسد عنهم، وسعياً فيما فيه سعادتهم في دنياهم وآخرتهم، كل ذلك عبر المنهج الصحيح، والأسلوب الحكيم.
ما هي الأسباب المعينة للعمل على القيام بمسؤولياتهم؟ تابعوا التفاصيل في العدد الجديد من مجلة سيدتي المتوفر في الأسواق..