رقاص الساعة الحائطية يتأرجح يمينًا ويسارا، قريبًا ستدق الثانية، رائحة مرق الدجاج، وسلطة الخيار والطماطم تملأ الغرفة، الشرفة مغلقة، ومائدة الغداء التي لم تنظف بالكامل مغطاة بصفحات الجريدة المفتوحة على باب التسلية، ظهره محني على شبكة الكلمات المتقاطعة، مدت يدها إلى أقرب منشفة وسحبت مقعدًا، وجلست بحذر وعيناها لا تفارقانه.
«كيف هي شبكة اليوم؟»
سألت دون أن تهتم في الواقع، وهز كتفيه في حركة خفيفة، وملأ ثلاثة مربعات أفقية.
«تبدو سهلة» أجابت نفسها، ونظرت تحت الصفحات القريبة منها، فتات خبز، وبقايا مرق، وقطرات عصير، عليها أن تنتظر قيامه لتنظف المائدة، وتفتح الشرفة، هواء الغرفة المثقل بروائح الأكل يخنقها.
«أين وصلت؟» عادت تسأله بعناد.
يكاد ينهي الشبكة، سيحمل جريدته ويدخل لينام، لا يمكنها أن تؤجل المحادثة حتى المساء.
خط قلمه حروفًا أخرى أفقية، ثم بدأ ينزل عموديًا.
سامحك الله يا سهيلة، لماذا لم تنشغلي بصحن مثلجاتك؟
العاشرة صباحًا في كافيتريا رأس الحي، أقنعتها سهيلة بالدخول لتناول مشروب بارد، قضتا ساعتين مضنيتين في السوق، طلبت مرطبًا بالنعناع، واختارت سهيلة مثلجات محلاة بالكريمة والشوكولاتة.
ثرثرتا بمرح، واحتبست المثلجات في حلق جارتها،وجحظت عيناها.
استدارت، وفوجئت بزوجها ينزل من سيارة مكشوفة تقودها امرأة ترتدي ثوبًا أخضر لافتًا، وتضع نظارات سوداء عريضة.
«وأخيرًا!» تثاءب بكسل، ووضع قلمه «أنهيتها!».
دفع مقعده، وتشبثت بذراعه، لن تؤجل الأمر أكثر.
«لم تخبرني... كيف كانت الصبيحة؟»
هز كتفيه للمرة الثانية دون أن يجيب، وقام، وتبعته وصدرها يغلي.
سحب الستارة، وارتمى على السرير، ووقفت عند رأسه.
ماذا قالت سهيلة؟ يجب أن تكون هادئة، هادئة، لن يفيدها الانفعال بشيء، عليها أن تتصرف بذكاء.
«لم تجبني...»
«هاه؟ لا تدعيني أنام كثيرًا، لدي شغل يجب أن أنهيه قبل المساء...»
يتهرب من الرد عليها، لا تصدق!
أبعدت شعرها بانفعال عن جبينها، وحملقت فيه.
صلع مبكر، وعينان صغيرتان، وكرش بارز، ماذا رأت صاحبة السيارة المكشوفة فيه؟
«هل تسمعين؟ لا أريد أن تعطليني كعادتك، قرري من الآن ماذا ستلبسين، تعرفين والدتي، لا تطيق التأخير».
لم تفهم عم يتحدث.
«أخبرني من تكون المرأة التي أوصلتك هذا الصباح!»
صرخت، وفتح عينيه، وبدا تعبًا.
«ألم تسمعي ما كنت أقوله؟»
«دعك من ذلك، أريد أجوبة محددة، من هي تلك المرأة؟ وكيف تجرأت على الظهور معها في رأس الحي، وفي سيارة مكشوفة؟»
«أنت مجنونة» تمتم، ومرر يده على وجهه.
«أنت محق، فقدت عقلي عندما تزوجت شخصًا عديم الإحساس مثلك، صبرت على برودك، وتحملت فظاظتك، وأنانيتك، وماذا كان جزائي؟ فضحتني في وضح النهار، ومرغت كرامتي في الأرض...»
ارتجف صوتها، وأدارت له ظهرها، وابتعدت.
الهواء في غرفة الطعام مازال مثقلاً برائحة الأكل،فتحت الشرفة، ومدت وجهها للسماء.
لا تدري كم مر من الوقت قبل أن تستعيد بعضًا من هدوئها، طوت الجريدة، ونظفت الطاولة، وجلست تتأمل أظافرها، وتفكر فيما عليها عمله، دون أن تتوصل إلى حل، تتركه؟ وأين تذهب؟ تغمض عينيها؟ وكيف سينظر الناس إليها؟ تسمم عيشته؟ تشك أن تفلح في ذلك، برودة أعصابه يُضرب بها المثل.
دقت الثالثة دون أن تتحرك من مكانها، وقف عند العتبة يحك كرشه المطل من فتحة القميص.
«لا يمكن للمرء أن يعتمد عليكِ» دمدم وجر رجليه إليها، وارتمى على الأريكة قربها.
«والشاي؟ هل نسيتـه هو أيضا؟ أنت تبالغين»
«من المرأة التي أوصلتك؟» كررت سؤالها بإصرار.
«هل صرت صماء؟ قلت لك إنها هند، وصلت وزوجها أمس، ورغبت بأن تفاجئني في العمل»
هند؟ أخته التي تعيش في أمريكا؟
سمعت الكثير عنها، ولكنها لم تقابلها بعد.
«حضري لي الشاي بسرعة، وعدت المدير بأن أنهي التقرير الذي طلبه، وابدئي استعداداتك، ستحضر كل العائلة للعشاء...»
نهضت بخفة، وشعرت بأنها ترغب بأن ترقص.