كلنا لا نحب أن نخسر، كلنا نحزن حين نخسر، لكن بعضنا يحطم ما حوله عند الخسارة، وبعضنا الآخر يبتسم بمرارة، أو يبقى صامتًا واجمًا للحظات، ثم يقوم باحثًا عن شيء مجدٍ يفعله، لعله ينسيه ما حدث ويعوضه عنه.
وكما أن رد الفعل أمام الهزيمة درجات وأنواع، فالهزيمة نفسها طبقات، أبشعها هزيمة الوطن، وهزيمة المرأة أمام غريمتها –لا قدر الله- وهزيمة منتخب بلادك في كرة القدم.
ولعل هزيمة فريق هي الأيسر، بل لعل انتصار غريمة امرأة وفوزها عليها وخطف حبيبها هي الأبشع على الإطلاق في كل الهزائم، وأشد وقعًا على قلبها من هزيمة الوطن في الحرب، ذلك من وجهة نظر تلك السيدة بالطبع،
هناك من يقع فيقوم، وهناك من يقع فيستحلي الوقوع والأنين، وهناك من يُصاب بارتجاج في المخ وينقلونه إلى المستشفى.
وهناك من يمثل أنه وقع، وأنه مصاب إصابة خطرة؛ لإيهام الشرطي أو الحاكم أنه ضحية اعتداء سافر يستحق من قام به الذهاب إلى قسم الشرطة، أو الطرد من المباراة، أو إنذارًا، أو تحذيرًا شفويًّا.
أما الهزيمة في الطاولة (النرد) والشطرنج والدومينو، وما شابه من ألعاب المقهى، فهي مطلوبة، تمامًا كالشاي والكركديه والسحلب والشيشة (النارجيلة)، فالأدوار تتابع، ولابد من هزائم وانتصارات متبادلة كي يحمى الوطيس، ويحلو «رزع» القشاط، ويتفنن اللاعبان في «قرص» الزهر، وتدور التعليقات والتراشق بينهما كالبيانات الحربية، كلّ يعلن عن انتصاره والثاني يكذبه.
هي إذن هزائم وانتصارات كوميدية، وكلا اللاعبين يعلم ذلك، ولذلك فهما يتباريان في إغاظة أحدهما الآخر وإظهار الشفقة عليه أو الاحتقار له لتواضع مستواه، وتباهي كل منهما بعظمته الحربية وعبقريته العسكرية في لعبة النرد.
لكن الشطرنج يختلف، هو حقًّا موقعة حربية لكنها صامتة، والهزيمة فيها صامتة أيضًا، ربما طنطن المنتصر وتعاجب مزهوًّا بقدرته، تمامًا كما يفعل إعلام الدول التي خرجت من الحـرب منتصـرة، إلا أن المهزوم يلزم الصمت، وقد يقلب الرقعة بما عليها، ربما راجع في داخله الخطوات الخاطئة التي أدت إلى الهزيمة، والفرص المتاحة التي لم يستغلها، والتي كانت كفيلة بأن يكون هو المنتصر المزهو بنفسه، لكن كل ذلك يحدث في صمت، إن الشطرنج لعبة الصمت؛ لأنها لعبة التركيز، وكل الصخب يحدث داخل العقل.
أما أكثر الهزائم ضجيجًا فهي حين تلتقي المرأة المهزومة بغريمتها، فتنشب أظافرها الحمراء المدببة في وجهها فتصرخ، بينما هي تكيل لها السباب صارخة هي الأخرى، ناعتة إياها بأبشع الصفات، ثم تتمالك الأخرى نفسها، وتبدأ هجومها المضاد فتنزع بيديها الاثنتين شعر غريمتها حتى تخرج خصله الناعمة في يديها، بينما الأخرى تواصل الضرب والعض وتنزل بها إلى الأرض وتركب فوقها وهما تصرخان معا صراخًا يتردد في أقطار السموات والأرض.