كيفما تلفتنا، يطالعنا العنف. وتخرُّ بنتيجته الضحايا البريئة في معظم الأوقات.
<<<
وأتساءل إذا كان ما حققه الإنسان، عبر العصور، من تطوير لأدوات القتل والتدمير، والإتّجار بها هو سبب التصعيد للعنف عموماً؟!..
أم أنها طبيعة البشر، ومنذ زمن قايين وهابيل؟
<<<
لست بصَدَد دراسة في الموضوع، إنّما ما يشغلني، بصورة خاصة، هو اعتماد العنف مادة ترفيه في السينما والتلفزيون. وكيفما توجهنا عبر المحطات الفضائية، تطالعنا مشاهد العنف، بل إنها تؤلف الأساس لمادة الترفيه والسلوى. وحتى منذ الطفولة. وفي أفلام الصور المتحرّكة يُشكّل الصراع مادة سائغة، تؤثر في تكوين شخصية الطفل لحظة يفتح عينيه على الوجود.
<<<
وهذا ما يدعونا الى التساؤل إذا كانت نزعة العنف من بعض خلق الطبيعة الإنسانية، وفي صميم تكوينها، أم أن الميل إلى استخدامها ينشأ مع الطفل نتيجة التربية؟
<<<
لست واثقة إذا كان هناك جواب قاطع لدى المسؤولين عن تربية الأجيال الصاعدة؛ لأن كل ما سُطّر في الكتب ينادي بالأخوّة الإنسانية والمحبة، إنما برغم ذلك، يتواصل حضور العنف مع نموّ الشخصية.
ويُلاحظ أن الميل إليه يكون أقوى لدى الفتيان. بينما تلجأ الفتاة الى الحيلة كي تصل الى غايتها.
وهذا أمر معروف، ونشاهد ممارسته على شتّى المستويات، وفي كل مراحل العمر.
<<<
أما السؤال المهمّ فهو التالي:
ـ هل هناك دواء ناجع لهذا الداء المتأصّل في طبيعة الإنسان، وأعني ميله الى العنف؟...
إن الإجابة على مثل هذا السؤال صعبة، خصوصاً وأن الأساليب التربوية منوّعة ومختلفة. حتى أن هناك نظريات تحرّض الطلاب على ما يمكن تسميته بالعدوانية الإيجابية، وتتمثّل في تشجيعهم على أخذ المبادرة والإقدام، وهدفهم النجاح.
وقد تخرج الشجاعة عن مفهومها التربوي، وتتحوّل الى العدوانية، حين يكون هناك طموح قوي، وبغضّ النظر عن أسلوب تحقيقه.
<<<
وأذكر من بعض ملاحظات الأساتذة في خلال دراستي الجامعية بأن هذا الطالب
(أو الطالبة) ليس طامحاً أو مجاهداً.
وكنت ألاحظ أن الفلسفة التربوية الحديثة أوجدت ذلك المفهوم: الصراع باتجاه التفوّق، وبغضّ النظر عن الوسائل.
<<<
كذلك كنتُ دائماً ألاحظُ كم تؤثّر وسائل الترفيهِ الموجّهة الى الأطفال، على سلوكهم، ومنذ خطاهم الأولى في سُبُل التعلّم. وبصورة خاصة تأثير الأفلام التي تتوجّه الى الصغار، وحتى في الأشهر الأولى من العمر. مثال على ذلك الصور المتحرّكة التي تكون في ظاهرها لعبة بريئة ومسلّية، لكنها تؤثر في تكوين شخصية الطفل قبل أن يتفتّح وعيه. ولذلك يكون تأثيرها عميقاً وأساسياً.
<<<
وهو ليس صراعاً جديداً ذاك الذي يدور بين إرادة الخير وإرادة الشرّ. فقد وُجد منذ أن كانت الإنسانية، وبقي مستمراً، وبرغم كل الدعوات المخالفة، والتي تتوجّه الى الإنسان برسائل السلام والتسامح والمحبّة.
<<<
وأعود الى ملاحظتي الأولى في مطلع هذه الكلمة حول تصعيد العنف وانتشاره في عصرنا الحاضر، حتى يكاد يعمُّ الكون، وأتساءل إذا كانت هذه الملاحظات والتأملات حول ما يجري في زماننا الحالي، تبدو ساذجة، وبعيدة عن مفهوم العصر وفلسفة التفوّق بغض النظر عن الوسائل التي يجري استخدامها في ذلك السبيل؟...
<<<
كذلك أطرحُ سؤالاً في الهواء، ولا أنتظر جواباً، وكأنما أسأل ذاتي: هل بقي في الكون، مكانٌ للبسطاء، والمساكين بالروح، ولكل الذين يطمحون إلى خلقِ عالم مثالي، يحكمه السلام، وترفرفُ في أجوائه المحبّة والعدالة؟