ربما لا يُظهر البعض اهتماماً جدياً بالحذاء، بل يجعله أحياناً نوعاً من السّبة والشتيمة حين يربطه بالإهانة والازدراء، أو يستعمله في الضرب كزيادةٍ في الإيذاء النفسي، لكن المعرض الذي يقيمه متحف Victoria & Albert اللندني يأخذنا إلى عوالم أخرى، ترتبط بالحذاء كثقافةٍ وفلسفة عبر رحلة تمتد إلى أكثر من ألفي عام، ومن خلال 200 نموذج من الأحذية التي يعرض أغلبها للمرة الأولى، والتي تجسد العنوان الرئيس لهذا المعرض: الأحذية..المتعة والألم.
حذاء سندريلا لا يزال حاضراً
للحذاء سحر خاص قد لا يلتفت إليه بعضنا، فما إن تبدأ البنت خطواتها الأولى حتى تتجه إلى حذاء الأم؛ لتجربه وتترنح بكعبه العالي، أما حكاية سندريلا فهي راقدة في أذهان كثير من الفتيات، ممن يبحثن في اللاوعي عن حذاءٍ زجاجي، يوصلهن إلى فارس الأحلام، وينقلهن من عتمة المطبخ إلى فضاءات القصر، ولا ننسى أيضا حكايات الأطفال عن الحذاء السحري، الذي يمنح منتعله قوة خارقة، تجعله يطير عالياً في السماء، أو يقفز بطريقة عجيبة. ورغم صغر حجم الحذاء إلا أن فعله كبير، وهو القطعة التي تحبها كثير من النساء أكثر من غيرها؛ لأنها لا تحاسبهن عن العمر أو الوزن والحجم ولا تقول للمرأة: أنا لا أناسبك لأنك كبيرة أو سمينة كما تفعل بعض قطع الثياب. كما أن الأحذية تعاقب أحياناً وتكافأ أحيانا أخرى، وإذا خرجتِ بحذاءٍ ضيق أو غير مريح أو بكعب مفرط في الارتفاع؛ فإن جسمك كله سوف يضطرب كما يقول الأطباء، وتشعرين بألمٍ يجعلك غير قادرة على مواصلة مشوارك مها كان مهماً، أما الحذاء الجميل والنظيف والأنيق؛ فإنه يمنحك ثقة لا تعادلها كل ثياب العالم، وكما قالت إحدى خبيرات الموضة: «إعطني حذاءً أنيقاً وأنا أتكفل بالباقي»، فالحذاء يمكن أن يرفعك عالياً أو يضعك في المصيدة.
حين يكون الحذاء رمزاً للثراء والنبل
يأخذنا المعرض إلى عالم الأحذية بكل تناقضاته، ويقدم لنا الصندل المزين بالذهب الخالص والحذاء المتوهج بالماس كتعبيرٍ عن القوة والسطوة والسلطة، ثم يعرج إلى الأحذية الضيقة والثقيلة، التي كانت تُحشر بها أقدام الفتيات الصينيات عنوةً؛ كي تبدو أصغر من حجمها، في محاولة لإرضاء الرجل، وهو الذي كان يرى في القدم الصغيرة رمزاً للأنوثة والجمال، ويقدم المعرض أيضاً نماذج من أحذية دراماتيكية الشكل وأخرى فولكلورية من أنحاء العالم المختلفة، بعضها مصنوع من سيقان النباتات، وأخرى من الخشب أو القماش أو الفولاذ. والطريف أن القليل من هذه الأحذية مخصص للسير والجري، فيما يبدو أن أغلبها قد صنعت من أجل المظاهر فقط؛ لأنها لا تساعد منتعلها على السير لأكثر من بضع خطوات فقط. ويرى زائر المعرض كيف أن الحذاء كان في أغلب الثقافات دليلاً على المستوى الاجتماعي، وتأكيداً على أن من ينتعله لا يمارس أي عمل يدوي وأنه مخدوم وليس خادماً. ولا نغفل أيضاً دور الحذاء في الإشارة إلى التميز الطبقي الذي كان سائداً في فترات تاريخية معينة، فالكعوب الحمراء في زمن لويس الرابع عشر مثلاً كانت حكراً على بلاطه، ولا ينتعلها إلا النبلاء وهي محرمة تماماً على العامة، وأحذية الهنود المزينة بالذهب لا يقترب منها إلا النخبة، وربما يشبه هذا الأمر بعض الأحذية المعاصرة في يومنا هذا، ونعني بها غالية الثمن، والتي يعادل ثمنها رواتب العامة لأكثر من سنة وربما أكثر.
* يقام المعرض في قاعة Victoria & Albert ويستمر حتى شهر يناير \ كانون الثاني من عام 2016.
بالصور: الحذاء قد يكون مصدر فرحك أو ألمك!
- ثقافة وفنون
- سيدتي - سميرة التميمي
- 08 سبتمبر 2015