إنذار الفراشات

الآن جاء دورُ الفراشات.

هكذا سمعتُني أردّد، وأنا أقرأ خبراً عن دراسةٍ حديثة أعدّتْها جامعة كاليفورنيا عن الفراشات في منطقة «سييرا نيفادا». ولوحظ فيها أن عددَ الفراشات يتراجع في شكل ملحوظ.

وتردُّ السبب الى الإحتباس الحراري؛ والذي من أجلهُ عقدَ في الآونة الأخيرة مؤتمرٌ عالمي في «كوبنهاغن». وحتى الآن لا نعلم كيف ستنعكس نتيجتُهُ على تصحيح الأحوال في العالم.

<<<

 

وتُوردُ تلك الدراسة أن الفراشات في المناطق المرتفعة الحرارة، مُعرَّضة للإنقراض إن لم تجد المكان الملائم.

ويؤكّد العلماء ان ارتفاع الحرارة، ولو بدرجة قليلة، يؤدّي الى هجرة الفراشات الى أماكن أكثر برودة.

<<<

 

وكنت من قبل، قد كتبت عن ظاهرة لوحظتْ في المناطق الجنوبية من لبنان، إنّما عن النحل، لا الفراشات.

فقد لاحظ مربّو النحل في تلك المنطقة، بأن الكثير منها بات يهجر خليّتَه.

يخرج مطلعَ النهار في الدورات العادية ليجني الرحيق الذي يحوِّله الى شهْد، لكنه لا يرجع الى مبيته كما هو مألوفٌ في سلوك النحل.

ولم تُجْرَ دراسةٌ علمية لمعرفة أسباب تلك الظاهرة، غير أن المعنيين بالأمر قدّروا ان الآلات الإلكترونية المتواجدة في تلك المناطق، بسبب وجود قوّات دولية هناك، ومعها معدّات إلكترونية، ربما أثّرت على الأجواء فيما تبثّ أشعّتَها، وتياراتها في المكان.

ولأن النحل يتمتّع بحاسةٍ شديدة الشفافية، فقد كان الضحيّة.

إنما تبقى تلك نظرية افتراضية، إذ لم تخضع لتحقيق علمي.

<<<

 

أما الفراشات التي تُقيم في مناطق مرتفعة الحرارة، فيعتقد العلماء بأنها معرّضة للإنقراض حين لا تجد أماكن عالية أشدّ برودة؛ لأن ارتفاع الحرارة، ولو بدرجة قليلة، يؤدّي الى هجرتها.

<<<

 

ويؤكّد هؤلاء العلماء ان هذه الظاهرة قد تساعد في درس تأثير الإحتباس الحراري على الأجناس البرّية.

لكن بالنسبة الى الفراشات فهي بكلّ تأكيد، معرّضة لخطر الانقراض.

<<<

 

تلك الدراسة الحديثة التي لفتت الى هذا الأمر، أجراها أرثر ثابيرو، العالم الذي يتابع نشاط الفراشات، وسلوكها منذ 35 سنة. ولذلك توصّل الى نتيجة سلبية، دفعته الى القول: «لم يعد لها مكانٌ تذهب إليه سوى الجنّة».

وبالطبع، كان يعني الفراشات.

<<<

 

أزعجني الخبر، لأنهُ بيني وبين الفراشة صداقة قديمة، ومنذ أن فتحتُ عينيّ على نور الحياة.

وكنّا نطارد أسرابَها في الحقول. وحين يُحالفنا الحظّ، ونلتقط واحدة منها، كانت تتحوّل الى مصدر مرح وسلوى.

<<<

 

أما أنا، فكنت أمارسُ تلك الهواية من خلف ظهر جدّتي، وكانت تتفاءلُ بالفراشة، وتعتبرُها طالعَ خير؛ وحضورُها يجلبُ الحظَّ والبرَكة؛ وكانت تسمّيها «بشّورة». أي حاملة البشائر والفرح.

<<<

 

ومن جدّتي تعلّمتُ حبَّ الفراشة، وأخذت عنها نظرتَها إليها بأنها طالع فأل لا شؤم.

وعندما تحطّمَ الزجاج عند مدخل دارنا، إبّان الإجتياح الإسرائيلي لبيروت في العام 1982، وبدا على شكل فراشةٍ عملاقة، طلبت من النجار والعمّال المشرفين على ترميم الدار، أن يحافظوا على ذلك الشكل ضمن إطار، وكأنه لوحةٌ فنيّة خطّها القدر، ولا تزال قائمة حتى الآن.

واعتبرتُها تعويضاً من خسارة مُنينا بها في إثر احتراق الدار بما تحويه من أثاث وذكريات.

<<<

 

لكن موضوع الفراشات المطروح على بساط البحث، ليس حالةً رمزية، بل هو واقعٌ، وإشارة الى حقيقة ما يحدث في عالم اليوم، بسبب الإحتباس الحراري. وهذا هو الإسمُ الذي يُطلق على حالة تُهدّد الحياةَ فوق هذا الكوكب الذي نُمعنُ بالإساءة إليه، وكلّما تقدّمنا بالحضارة والرقيّ.