خروف العيد حديث الساعة في الجزائر، حيث يمكنك رؤية صورته ومعرفة سعره على الموقع الإلكتروني، أو على صفحات الفيس بوك، خاصة على موقع «واد كنيس»، ويستطيع المتسوق عبر الإنترنت الحصول على كل المعلومات عن فصيلة الكبش، وانحداره وماذا كان يستهلك من أعشاب، وفوق كل ذلك يترك رقم هاتفه لإعطاء المزيد من التفاصيل، وتبرم نصف الصفقة بالهاتف مع الزبون الذي يختزل مشقة التنقل إلى أسواق الماشية، ويمكن القول أن للجزائريين مع أضحية العيد أحداثاً مثيرة وطقوساً مميزة، تبدأ بوضع الحنة على جبينه أو ظهره، وحتى على مستوى الأرجل، وقيام البعض بتزيينه بأشرطة وردية، أو بألوان الأندية الرياضية التي يناصرونها، وصاحب القرون الحديدية الطويلة يعد الأغلى ثمناً؛ لأنه ينشط مبارزات التناطح الساخنة التي تصنع الفرحة بين الأحياء.
كبش بقصة مشاهير النجوم
يمكن القول بأن أضحية العيد قد ترتدي بريق وحلة النجومية، وتنافس في العديد من البيوت والأحياء الجزائرية المشاهير من الرياضيين والأبطال التاريخيين، فقد تسمع اسماً لرياضي عالمي مشهور في كرة القدم، أو شخصية جبارة حتى وإن كانت تاريخية، أو تلك التي تنتمي إلى الفنتازيا، لكن لا يقصد بها في الحقيقة الأشخاص، بل تطلق على أضحية العيد، فيمكنك أن تجد « الكبش ميسي» أو «رونالدو» أو «روني»، بينما الكبش صاحب القرون الملتوية قد يحمل تسمية «هتلر» أو «شقيف» أو «الغول»، في حين الكبش العصبي الذي ينفلت من قبضة صاحبه ويحاول عدة مرات الهرب، أو ينطح من يقترب منه ويفتك بشراسته اسمه «رينغو»، وتلبس الخرفان في الكثير من الأحيان لدى المهووسين بكرة القدم حلة الأندية التي يناصرونها، وتلمع بألوانها، وتطبع عليها رسومات العلامات التجارية للألبسة الرياضية العالمية، وتلفت الانتباه بقصتها الصوفية ذات الخصوصية، مثل نجوم السينما، حيث أحياناً تنزع طبقة الصوف بشكل كامل، وأحياناً أخرى تترك على منطقة الظهر دائرة صوفية منتفخة، وتسند المهمة للذين لديهم خبرة كبيرة في هذا المجال، فقد تسمع شاباً يهمس لصديقه «إنه أمهر من حلاق محترف، لقد منحه قصة «ديكابريو».
وبالموازاة مع ذلك تتحول العديد من الفضاءات الخضراء، والمساحات العمومية المخصصة للراحة، إلى أماكن لاستعراض «أوسم» كبش من حيث التزيين والتميز، أو أبطشهم قوة بقرون مرعبة تتلوى على طول العشرات من السنتيمترات، حيث يفتخر الشاب بأن لديه كبشاً فريداً من نوعه، بينما عندما يخلو الكبش من القرون تجد أحدهم يخاطب صديقه أو جاره «هذا ليس كبشاً.. لديكم كلب»، وإذا بدا الخروف هزيلاً يوصف بأنه «قط»، ومما يروى في قصص مدهشة، أنه في منازلة ساخنة بالعاصمة دخل فيها الكبش «زيدان» ليتبارز مع نظيره «ماتيرازي» فوجه له نطحات قوية ودقيقة أطاحت به أرضاً.
البطل يتحول إلى روسي
عرفت العديد من ولايات الشرق الجزائري، تتصدرهم مدينة عنابة الساحلية، على مدار سنوات طويلة، ظاهرة تنظيم شبابها لمبارزات تناطح الخرفان، ذات القرون الملتوية والصلبة، أياماً قليلة تسبق الاحتفاء بعيد الأضحى، حتى صار بعض الأشخاص يتنقلون عبر أسواق المواشي، وينتقون الكبش الذي تتوفر فيه الشروط، بل يعكفون على تدريب الخرفان التي تشارك في حلبة المبارزة، والمنتصر يعتبر البطل، وقد يتم تغيير اسمه إلى «الروسي» أو «الطلياني» وفي السنوات الفائتة عرفت أبطال المبارزة من الخرفان التي تربعت على عرش الفوز، واشتهرت وطنياً بأسماء مثل «الأفغاني» و«الطيارة» و«الزندة»، وما أكثر الأسماء التي تطلق، وأحياناً يصعب معرفة صاحبها، أو ماذا تعني، والمرجح أنها مستوحاة من الأفلام الكرتونية، ويذكر أن الخرفان التي تشارك في المبارزة سعرها باهظ، بل مضاعف حوالي خمس مرات، حيث يدخل البورصة الافتراضية، وتهطل على صاحبه عروض اقتنائه، بعدما يحصد الانتصار لمدة ثلاث أو أربع سنوات متتالية في حلبة المبارزة.
سر «المرارة» الطبي
وتحافظ الأسر الجزائرية على عادات قديمة تتعلق بالطبخ والاحتفاء، نذكر من بينها، الاجتماع عادة في البيت الكبير للجد والجدة، وتنحر هناك الأضحية بصورة جماعية، حيث يمكن لجار واحد أن ينحر خمس أضحيات ويتعاون الإخوة والجيران في عملية السلخ، إلى جانب منح المخطوبة نصيبها من اللحم، حيث تقوم أسرة الخطيب بزيارتها في اليوم الثاني لعيد الأضحى؛ لتقديم نصيبها من اللحم مع مجموعة من الهدايا، تتنوع ما بين لباس وعطر أو مجوهرات، إذا كانت العائلة ميسورة الحال، علماً أن لحم الكبش يتم تناوله في اليوم الثاني بعد تقديم جزء منه للفقراء والمعوزين، على اعتبار أنه في اليوم الأول يستهلك الكبد ولواحق الخروف من رأس ورجلين، وتحضر منها عدة أطباق تقليدية لذيذة، يتم إعدادها بالتوابل ذات النكهة الطيبة نذكر منها «الكبد المشرمل» و«برقعينو» و«بوزلوف» و«بكبوكة». بينما الكسكسي يحضر بقوة عبر جميع البيوت في اليوم الثاني للعيد، ويحفظ العرف عادة الاحتفاظ بـ«مرارة» الخروف في الثلاجة وتستعمل لمحاربة تسوس أو سقوط الأسنان خاصة عند الأطفال والمراهقين، وهناك من يجعلها في خلطة ناجعة؛ لتوقيف وإزالة الشيب لمدة أطول من صبغات الشعر، قد تصل نجاعتها إلى سنتين أو ثلاث.