سالتني صديقتي: هل ما زلت تذكرينه حتى الآن؟ وهل ما زال قلبك يهواه رغم أنه تركك؟ أبَعدَ كلّ ما فعله بكِ مازالت له مساحة في حياتك؟ واستغربت بأني حتى الآن لم أجد منْ يملأ مكانه، وكان استغرابها لقِصر الفترة التي عشتها معه، وكانت تتكلم وتتساءل وتحاول بشتى الطرق أن تخفف عني وتخبرني بأنه لا يوجد رجل يستحق كلّ هذا الحب ولا العطاء ولا التضحية ولا الإخلاص، وتوقفت عندما رأت دموعي تترقرق في عينيَّ، واعتذرت عندما ظنت أن بأسئلتها قد فتحت لي جروحًا اندملت
ولا تدري بأن جرحي مازال ينزف، لكن بحبه، وقلبي ما زال ينبض، لكن باسمه، وأن مشاعري تحيا على ذكراه التي حاولت الهرب منها، لكنها مصرّة على البقاء بداخلي، فمكانته مازالت كما هي، ومبرراتي لغيابه مازلت أُردّدها، فما لديه من رصيد يكفي بأن أسامحه حتى من دون أن أعرف الأسباب، ولأني شعرت بالحنين لاسترجاع ذكرياتي الجميلة الدافئة لحبي الأول والأخير، أحببت الكلام عنه وأجبتها بكل صدق: أتعرفين يا عزيزتي لماذا؟ لأنه هو الإحساس الوحيد الذي لن يتكرر والمشاعر التي لن أجدها مره أخرى في عمري، لأني كنت أحبه ومازلت وسأظل أحبه، فالحب الذي يسكن أعماقي لم أعرفه إلا منه، وسعادتي لم أتذوقها إلا معه، فهو الوحيد الذي استطاع أن يقرأني من دون أن أتكلم، هو منْ علّمني معنى وتأثير لغة الصمت، فسمعته وفهمته بقلبي وبإحساسي وبكياني، كانت مشاعري ترفرف بأجنحتها في كل ركن من أركاني وفي كل زاوية من زوايا فؤادي، كنت أشعر بأن أنفاسه تهيم معي في المنزل وتذهب معي لعملي وترافقني طوال يومي وتلازمني في أحلامي، نعم أنا لا أنكر بأنها أشهر يتيمة عِشت فيها كل تلك الأحاسيس، لكن منْ قال إن المشاعر تُقاس بقصر المدة أو طولها، فالمشاعر تُقاس بعمقها وتأثيرها، ومشاعري تجاهه بالنسبة لي هي عمري كله.
فلكم حاولت إخراج نفسي من بئر الأحزان، لكن رغمًا عني سقطت فيها، كنت مستسلمة بشكل قوي وكأني غير راغبة بالخروج من حالتي؛ رغم أني لن أنكر بأنني حاولت نسيانه ولم أتمكن، فذاكرتي تدفعني للتفكير فيه، حاولت أن أبحث عن سعادتي المشروعة، فلم أتمكن، حاولت أن أكرهه، ولم أتمكن، حاولت أن أتصل به وأعاتبه، ولم أتمكن، فصورته مازالت عالقة في ذهني، وصوته لايزال يلاحقني، وطيفه يعيش معي وابتسامته مرسومة في أعماقي وحنانه قابع في كياني، ولم أستطع محوه من ذاكرتي، وتأتي عليَّ لحظات أكره فيها استسلامي وضعفي وعزلتي، وأكره فيها كل شيء إلا هو، فهو الحاضر الغائب في كل تفاصيل يومي، ومشاعري مازالت معه ومازلت أستنشق عبيره في حياتي، ومازلت رافضة أن أستيقظ من أحلامي.
أعرف أنه إحساس قاتل، لكني ألتمس لمشاعري العذر، فقد ظللت أبحث طوال عمري عن أحاسيس لم تُولد بعد، وفجأة وبلا ميعاد وجدتها وطرت بها فرحًا رغم كل أحزان العالم التي تحيا بداخلي، وفي لحظة تسربت من بين يديّ وعشت أحتضن كلماتي! أتألم... أتمزق... أحترق من الداخل... لكني ـ ولله الحمد ـ استطعت أن أنطوي على ألمي وأكتم أنيني... وتمضي حياتي بوجه مبتسم وصوت مرح مبطن بالأحزان، لذا قررت أن أغلق باب قلبي وبنيت بيني وبين الحب قضبان حديد غير قابلة للكسر أو الانصهار بعد أن تأكدت بأني لن أجد مفتاحًا جديدًا يفتح قلبي.
أنين مشاعر
«ليتنا مثل الأسامي لا يُغيرنا الزمن»