محمد بن عيسى تحالف هادئ مع الجمال ـ1ـ

من الصعوبة الحديث، هكذا في عجالة، عن شخص من عيار الوزير محمد بن عيسى، لاعتبارات متضافرة فيما بينها، منها تعدد صور الرجل، وتنوع حضوره في الساحتين السياسيتين، العربية والدولية، وتعدد أوضاعه الاعتبارية، السياسية والثقافية والفنية والجمعوية والنضالية، واتساع أفقه الإنساني ورحابته، وهو ما يجعل منه شخصية وطنية استثنائية ونموذجية، بعد كلّ ما يشهده عالمنا اليوم من اهتزاز في القيم والمعتقدات، وتبدل في المفاهيم والقناعات، وتشكيك في الهويات.

صحيح أنه لم يُتح لي التعرف على سي محمد بن عيسى، عن قرب وبشكل مباشر، إلا منذ مدة قصيرة، لكنها كانت كافية بالنسبة لي، لأن أكتشف في الرجل مدرسة عظيمة في الوطنية والأخلاق والإنسانية والنبل، ودرسًا عميقًا في الحوار والإنصات والأناقة والسماحة والتواضع، وهو رأي قد لا يخالفني أو يجادلني فيه أحد، فقد سبقني إليه كبار رجالات الدولة والسياسة والفكر والأدب والفن، وعامة الناس، من مختلف بقاع العالم، وبكل لغاته الحية.

فمثلاً، يكفيك أن تمر بحي الحسين بالقاهرة، لتكتشف مدى حب الناس لسي محمد بن عيسى، وقد تجاوزت سيرته وسمعته الآفاق، هناك في أحد بوتيكات بائعي الأقراص والأشرطة الموسيقية، حيثُ احتفى «أبو حمزة»، صاحب البوتيك، بطريقته الخاصة بالوزير بن عيسى، فعلق صورته المحفوظة إلى اليوم في إطار كبير، وهي تتزعم صور الفنانين والفنانات من مختلف أنحاء المعمورة، ربما شعورًا من أبي حمزة بذلك الحس الفني الراقي الذي تختزنه شخصية محمد بن عيسى.

لا أخفيكم الشعور الذي انتابني لحظتها وأنا أعيد التقاط الصورة المعلقة بعدسة هاتفي المحمول، وأنا أسأل صاحب البوتيك عن سر تعليقه لها، وعن سر تعلقه بالرجل، حيثُ يبدو أبو حمزة في تلك الصورة، مزهوًّا ومنتشيًا باللحظة، ومعجبًا بالوزير، كما يبدو ملتصقًا به، ربما خوفًا من أن يقصيه زوم الكاميرا، أو أن تغفله عين ملتقط الصورة، فجاءت صورة طافحة بالأبعاد الإنسانية، وهي تجمع بين رجل دولة وإنسان ذواق.

توطدت علاقتي الأولى بالوزير بن عيسى، إبان تجربة ممتعة مع إعداد كتاب من صنف «الكتب الجملية»، عنونته بـ «كتاب أصيلة: في الذكرى الثلاثين لموسم أصيلة الثقافي الدولي»، الصادر عن مؤسسة منتدى أصيلة، كتاب سأظل أعتز به، كما سأظل ممتنًّا للأستاذ بن عيسى على كل ما قدمه لي، إبان فترة إشرافي على إعداد هذا الكتاب، بحيث مكّنتني هذه التجربة من أن أكتشف فيه صدرًا رحبًا، وأفقًا فكريًّا واسعًا، وهو يرحب بخيالنا، ويتبنى أحلامنا، وينتصر لهواجسنا واقتراحاتنا.

فطبيعة شخصيته السمحة، والمنفتحة، لن تحفزك سوى على الانخراط في مثل هذه المبادرات الجميلة، برغبة وحماس غير مشروطين، ولا أخفيكم مدى شعوري بالفخر والاعتزاز والارتياح وأنا منكب على إعداد «كتاب أصيلة»، بحيث لم يحصل قط أن تدخل بن عيسى في توجيه محاور الكتاب، أو في تحديد مادته، كما لم يحدث أن أعاق حريتي في التدوين والكتابة، واختيار الصور وترتيبها، بل إن عنوان الكتاب نفسه «كتاب أصيلة»، كنت أنا منْ اقترحه، أليس من يقول أصيلة يقول بن عيسى، ومن يقول بن عيسى يقول أصيلة.

لقد مكّنتني لحظة التعرف عن قرب على الأستاذ بن عيسى، من الاقتراب أكثر من فهم شخصيته، وهل حقًّا نفهم من نحبهم، كما مكّنتني من الاستئناس بأحاديثه الشائقة، وبرؤاه العميقة، ومن ثم، لم يحصل أن فوَّتُّ أي فرصة أتيحت لي لحضور مجلسه الممتع، هذا الذي أعتبره درسًا مهمًّا في الإمتاع والإفادة، وفي الأخلاق والتواضع، وفي تعلم الإنصات، والاقتراب أكثر من تجربة حياتية وثقافية مختلفة، هو الذي ساهم في انفتاح وعيي ومداركي وأفقي الجمالي على عوالم وآفاق واسعة، عدا ذلك، وفرت لي تلك اللحظة فرصة الاحتكاك أكثر بمثقف كبير وفنان مبدع، وكذا الانخراط في أفقه الإنساني الرحب.