النوم في العمل

دخل مدير تحرير الصحيفة التي أعمل بها إلى مكتبي غاضبًا، وصرخ وهو يوقظني: «أنت رجعت تنام تاني في المكتب؟ اصحى.. صوت غطيطك أعلى من صوت ماكينات الطباعة.. لا يمكن أن نعمل في هذا الجو المزعج».. وانتشر خبر نومي في المكتب على اعتبار أنه فضيحة، وحكاية يتندر بها الزملاء.. وفي اليوم التالي شربت أربعة فناجين من القهوة التركية المحوجة، لأتمكن من مواصلة العمل دون أن أخطف «تعسيلة» سريعة.. وبالفعل لم أنم في المكتب.. فقد عثر عليَّ عمال الكافيتريا وأنا نائم فوق مقعدي، ومازالت يدي تمسك بفنجان القهوة الخامس.. وفي اليوم الثالث قررت أن أغسل وجهي بالماء البارد كل ربع ساعة لأظل مستيقظًا.. ونجحت الخطة إلى حد كبير.. إلا أنني في إحدى هذه المرات استندت بذقني على حافة الحوض، وأخذتني غفوة سريعة.. لحسن الحظ لم يلحظها إلا الواقف خلفي ليأخذ دوره في الوضوء.. وفي اليوم الرابع استشارني زميل في مسألة فقهية، واعتذرت له شارحًا أنني لست أهلاً للفتوى.. فقال باندهاش «ظننتك عالمًا في الأمور الدينية لإطالتك في السجود أثناء صلاة الظهر».. وبالطبع لم أخبره ـ وأرجو ألا يخبره أحد القراء الأعزاءـ عن أسباب إطالتي للسجود أثناء صلاة الظهر.. وقررت في النهاية أن أستشير طبيبًا متخصصًا ليعالجني من حالة الكسل المستمر، والنوم أثناء العمل.. وعندما دخلت إلى غرفة الطبيب فوجئت به فوق سرير الكشف يغط في سبات عميق.. أيقظته، وحكيت له المشكلة.. فقال: أنت مخطئ.. لماذا أيقظتني من هذه القيلولة الصحية المفيدة.. هل تعرف أن في الهند قانونًا يعاقب من يوقظ موظفًا ينام فوق مكتبه؟! إنهم في الخارج يحترمون حق الإنسان في أخذ قيلولة تساعده على استعادة النشاط ومواصلة اليوم.. قد تقول إن الهند دولة نامية وليست من الدول الصناعية الكبرى التي يمكن القياس عليها.. ما رأيك إذن في أن الشركات اليابانية الكبرى تجهز لموظفيها استراحات للنوم أثناء الظهيرة.. وتتنافس الشركات في منح الموظف الإحساس بالراحة والاسترخاء؛ ليتمكن من مواصلة العطاء والإنتاج.. وفي الصين النوم أثناء العمل حق يكفله القانون لجميع العاملين.. والصين التي يزيد سكانها على المليار نسمة تغرق أسواقنا العربية بمنتجات تبدأ من المسابح، وسجاجيد الصلاة، وتصل إلى السيارات، والحواسب الآلية، والهواتف النقالة، وكل ما يمكن تخيله من تكنولوجيا حديثة.. هل تعرف أن في الولايات المتحدة صيحة جديدة تسمى الفرش الهوائية، أو الأَسِرّة المحمولة التي تُملأ بالهواء لتستخدم في النوم أثناء العمل، ثم تفرغ من الهواء، وتطوى بكل سهولة داخل الجيب؟! في البرتغال يا عزيزي رابطة تعرف باسم رابطة محبي نوم القيلولة، أبرز أعضائها هو وزير العمل في البرتغال.. هل تعتقد أن وزير العمل ضد العمل؟! بالتأكيد لا.. أما الإسبان فهم يبالغون حقًّا في تقدير أهمية نوم القيلولة.. حيثُ تنتشر محلات للتدليك أثناء الغفوة.. وكل ما عليك هو أن تضع رأسك على الوسادة، ثم تترك نفسك لخبير التدليك، وفك العضلات للقيام بعمله.. هذا إذا لم يخطر له أن يزيح جسدك جانبًا ليأخذ هو الآخر حقه في القيلولة أثناء العمل..

لا تقلق على حالتك الصحية.. أنت شخص طبيعي جدًّا، وجسدك يبحث عن راحته.. حتى تطمئن على نفسك أكثر.. أثبتت أحدث الدراسات العلمية أن الذين ينامون من نصف ساعة إلى ساعة في وقت الظهيرة.. حالتهم النفسية والبدنية أفضل من غيرهم، والقيلولة تقيهم بنسبة 30% من الإصابة بالأمراض القلبية وأمراض الشرايين.. قال الطبيب عبارته الأخيرة وهو يتثاءب، ثم مدّ ذراعيه إلى الأمام، ثم إلى الخلف، وعاود الاستلقاء على سرير الكشف، لينال حقه الإنساني من الراحة، المشكلة في بلادنا العربية أننا نخجل من الاعتراف بأهمية النوم في العمل.. ونحرص على أن نظل مستيقظين دون أن نخجل من أننا لا ننتج شيئًا.