كان الجنوب دائماً كتابي، ولا يزال مصدر الوحي والإلهام.
في طبيعته قرأت أحرفي الأولى وسجّلتُ أصداءَ كلماتي.
<<<
وتهبُّ عليّ رياحه في كل حين وآن؛ أينما كنت ومهما بعدتُ؛ وتأتي فجأةً، حاملة عبير الصعتر وبخور مريم، نكهة الكروم وعطرَ الزيتون.
<<<
وإن سألتموني عن سرّها، تلك «المنطقة»، تعصاني الإجابة.
في بعض الأحيان أستعير من منطق الصوفية كلاماً كي أجيب: «إن الذين يعرفونها لا يتكلمون، أما الذين لا يعرفون فينشرون الكلمات».
<<<
وإذا قالوا: إنها ليست من الأسرار الغامضة في الكون، أقول:
وهي ينابيع تتفجّر عطاء وبهاء، وتتدفّق ملء القلب والعين.
وأرضُها منبت السنابل والزيتون. تلك هي أرضي الجنوبية...
<<<
واليوم يتصدّى لها أحدُ أبنائها، الأستاذ حبيب صادق، حامل العهد والأمانة، ويفاجئنا بعمل فريد يُضاف الى تاريخ مجيد له، في حمل رايات الفكر والإبداع، ويخرج علينا بهذا الكتاب القيِّم «دليل جنوب لبنان كتاباً» فيطرح أمام السمع والبصر، هذا الجنوب الذي لا يُنبتُ السنابل والزيتون فحسب، بل في طليعة ما يُنبت: الشعر والفكر والإبداع.
<<<
ومن بعض ما جاء في الميثاق الذي وضعه الأمين العام للمجلس الثقافي للبنان الجنوبي وأورده في مقدِّمة الكتاب، ان من أولويات اهتمامه الثقافي: «المحافظة على التراث العاملي، والعمل على نشر كنوزه، وتعزيز الحركة الثقافية في ربوع الجنوب، في إطار الحركة الثقافية في عموم لبنان، وإبراز وجه الجنوب الثقافي، الحضاري، في وحدته التي لا انفصام لها بكيان لبنان، الوطن السيّد، الديموقراطي العربي».
<<<
وهذا ما دأب على عمله الأستاذ صادق، ومنذ العام 1964 عندما وضع اللبنة الأولى في أساس المجلس الثقافي للبنان الجنوبي.
ولم يكن يتفرّد في العمل، بل سعى دائماً لأن تكون معه هيئة للمجلس، وذلك للتأكيد على أهميّة العمل الجماعي، ومن أجل تقدّم الجماعة ومصلحتها.
<<<
لقد نشأتْ عدّة مجالس ثقافية في شتّى المناطق اللبنانية، منذ ستينات القرن الماضي، وكان لها دورُها المميّز في تنشيط الثقافة وحمل مَشْعَل الحضارة والتنوير، إلاّ أن قليلاً منها ما زال مثابراً على نشاطه، وبهذا الزَّخْم الذي يمارسه هذا المجلس الجنوبي، وهو يزداد قوّة واندفاعاً كلّما قويت عليه التحدّيات، وواجهته العقبات.
يكفي ان نذكر المعاناة التي عاشها أهل الجنوب، ما مرّ بهم وعليهم من أهوال الحروب والعدوان. وما كان ذلك الاّ ليزيدهم مَناعةً وصموداً. ويرسِّخ إيمانهم بوطنهم وثقافته، وهم في طليعة المساهمين في إحيائها وتنشيطها.
<<<
لقد كان الأستاذ حبيب صادق وهو الشاعرُ المبدعُ أولاً وقبل كل شيء كان راصداً لكلّ ولادة فكرية جديدة وقد خصّ المرأة المبدعة بعناية لافتة، فكان للأديبات والباحثات مكانة مقدَّرة في لقاءات المجلس للإحتفاء بثمرات الأقلام أو ولادات الكتب، ما يجعلنا نقف وَقفة إعجاب أمام هذه النسبة العالية والمميَّزة للأقلام النسائية في الجنوب.
<<<
أما هذا الكتاب الذي اجتمعنا للإحتفاء بصدوره، فهو أقوى برهان على قدرة الإستمرار والنموّ التي يؤكدّها المجلس وأمينه العام ورفاقه، في وجه شتّى ألوان وأنواع التحدّيات.
<<<
أعمال 799 كاتباً وكاتبة تضمُّها دفتا هذا الكتاب؛ وقد جاوز عدد الكتب الموثّقة فيه خمسة آلاف كتاب؛ وأقلّ ما يُقالُ فيها إنها تعريف بالإبداع الجنوبي، ولفت انتباه العالم بأسره، الى ظاهرة تستحق الإستمرار في دراستها وسبر أغوارها.
كما تحثّنا هذه المناسبة، مواطنين وكتّاباً، على مواصلة المسيرة الثقافية، وحمل مشعل التقدّم، غير عابئين بالعقبات مهما كانت، ومن أيِّ صوب تجيء.