أثبت عالم نفس أميركي، يدعى ألبرت ميهرابين، أن %7 فقط من اتصال الناس ببعضهم يكون عن طريق الكلام، و%38 عن طريق نبرة الصوت وما توحي به من معانٍ قد لا تذكرها الكلمات، بينما %55 من الاتصال عن طريق الصمت أو اللغة التي يتحدثها جميع سكان كوكب الأرض دون أن يدرسها أحد.. أقصد لغة الجسد، ويؤكد مستر ميهرابين، أنه إذا تعارضت الألفاظ المنطوقة مع إشارات الجسد.. فعلينا فورا أن نكذب ما نسمعه بآذاننا، ونصدق الإشارات التي تصدرها أجساد المتحاورين معنا، وكذلك الحال إذا تعارضت نبرات الصوت مع الكلمات.. النبرات دائما هي الأكثر صدقا، وهي فكرة منطقية تؤكدها أغنية قديمة لفريد الأطرش وشادية، يقولان فيها: «يا سلام على حبي وحبك.. وعد ومكتوب لي أحبك.. ولا نامش الليل من حبك.. يا سلام على حبي وحبك»، لقد أراد مؤلف الأغنية أن يشير إلى كراهيتهما لبعض، واضطرارهما لتمثيل الحب حسب الموقف الدرامي داخل الفيلم، فكتب كلمات تبدو عند قراءتها بإحساس محايد عاطفية تنبض بالحب، واعتمد على نبرات صوت المطربين الكبيرين في إظهار معاني البغض والكراهية، وساعدهما على إبراز ذلك، الكره والغل في مقطع يقول «وبقول لو ربنا ياخدك.. كنت أعمل إيه يا حياتي»، وترد شادية: «انشالله انت يا حبيبي.. يا هنايا وكل نصيبي».. وتستمر لعبة الكلمات والنبرات مؤكدة وجهة نظر الأخ ميهرابين الأميركي.
قررت أن أدرس لغة الجسد صاحبة المجموع الأعلى في التعبير الصادق، والقدرة على التواصل، وإرسال إشارات واضحة ومحددة للطرف الآخر.
يتفق علماء لغة الجسد أن لمس الأنف، إشارة على الكذب في الحديث.. لاحظت أنني أحك أنفي باستمرار كلازمة تصاحبني أثناء الكلام، كما أن مقدار حك الأنف يزداد إذا كنت أحكي لزوجتي عن خط سيري، والأشخاص الذين قابلتهم في يومي.. بالطبع بعد عمل المونتاج اللازم لمقابلات أراها غير ذات أهمية، ولن يجلب الحديث عنها إلا المتاعب.. قررت أن أتوقف عن حك أنفي.. حتى بعد إصابتي بـ«دور» إنفلونزا حادة..
كنت أتجنب استخدام المناديل قدر المستطاع، حتى لا أتهم بالكذب، وكانت النتيجة أن الناس قاطعوني، واستمرت الإنفلونزا معي لأكثر من أربع سنوات متصلة.. لحسن الحظ لم يلاحظ القارئ العزيز أنني أحك أنفي أثناء كتابة الجملة الأخيرة.. دعنا من حديث الأنوف، ولننتقل إلى جزء أهم وأكثر قدرة على التعبير والبلاغة إن صح القول..أقصد بالطبع لغة العيون.. العين هي مفتاح شخصية كل إنسان، وهي المرآة التي تعكس ما بداخله من فرح أو حزن.. يؤكد الخبراء أن اتساع بؤبؤ العين يشير إلى السعادة، بينما الضيق يشير إلى الضيق وعدم التصديق، وتجنب النظر للآخرين قد نفسره -كعرب- بالحياء واحترام خصوصية الآخر، بينما يصر علماء العيون على أن عدم النظر والبحلقة علامة واضحة على قلة الثقة بالنفس، وعدم التكيف الاجتماعي، وقررت أن أطبق ما تعلمته من اللغة الجديدة، فأصبحت أطيل النظر لكل من يحدثني، وأحاول فتح عينيّ على آخرهما؛ لأريه -أو أريها- مقدار ما أشعر به من سعادة وتكيف اجتماعي.. ثم أخذت بنصيحة أخرى تقول: «المس مرفق محدثك لمدة ثلاث ثوان حتى يصبح أكثر ميلا للتعاون معك بنسبة تزيد على %68 -كما تقول إحصائية مستر ميهرابين- وكانت النتيجة أن صاح في وجهي مديري في العمل قائلا: «لماذا تنظر في وجهي مبحلقا على هذا النحو؟ اترك يدي وتوقف عن الضحك أثناء كلامي».. وأشار بخصم خمسة أيام من مرتبي، وهو يحك أنفه بعصبية، فابتسمت قائلا:«أنا أعرف أن سيادتك تكذب وتمزح معي.. فلا يمكن أن تكون صادقا وأنت تحك أنفك بهذه الطريقة الهستيرية، لا تنفعل بسبب الكلمات»، لاحظ أن نبرات صوتي ودودة للغاية.. وللأسف زادت عصبية المدير، وزاد الخصم إلى عشرة أيام!!
أما محاولتي الثانية في إظهار التكيف الاجتماعي، عن طريق اتساع بؤبؤ العين، فكانت مع زميلتي في العمل.. والنتيجة علقة ساخنة من زوجها الجاهل باللغات الحديثة، وللأسف لا أستطيع بسبب هذه العلقة أن أحك أنفي المتورم من تحت الضمادات الطبية، لذلك قررت أن أكتفي بـ %7 من لغة الاتصال العالمي، وأظهر مودتي لحضراتكن عن طريق الكتابة فقط، وأمري إلى الله.