حتى وقت قريب، كنت أستيقظ من النوم صارخا على كابوس مفزع، حيثُ أرى ـ خيرا اللهم اجعله خيراـ لجنة امتحان الشهادة الثانوية، والمراقب يسحب ورقة الإجابة من يدي بشراسة، ثم يضع بقلمه الأحمر علامة إلغاء الامتحان، وعبثا أشرح أنني كنت أحرك رقبتي؛ حتى لا تصاب بالتيبس، ولم أكن أنظر لورقة زميلي في اللجنة، لكن وجه المراقب صارم وقراره نهائي، وتناولني زوجتي كوبا من الماء، وهي تسأل بغير اهتمام: نفس الكابوس؟ أو ماذا كنت تمتحن اليوم؟ والحقيقة أن نوعية الأسئلة والاختبارات في مناهجنا العربية تصيبنا بنوع من البلادة، وتحولنا لشخصيات سلبية تابعة، أذكر في المرحلة الابتدائية سؤالا يقول: ما مضاد كلمة ضار؟ وأجبت: مفيد، واعتبر المدرس إجابتي خاطئة؛ لأن عكس الضار هو النافع وليس المفيد.. قلت لأستاذي وما هو الفرق بين كلمة نافع وكلمة مفيد؟ فقال لا يوجد فرق كبير، ولكن الإجابة الصحيحة التي قررتها وزارة التعليم هي نافع.. فكيف تتحداهم أنت وتقول مفيد؟! لم أكن ناضجا بعد لأكتشف أن المدرس شخصية مقهورة، ومصاب بخوف مرضي هستيري من عصيان التعليمات؛ لذلك ظللت أجادله حتى حصلت على تقدير صفر في امتحان الشهر، وفي امتحان الشهر التالي جاء السؤال في مادة البلاغة يقول:
أي التعبيرين أجمل في رأيك ولماذا..«أ»{غضب الرجل} أم «ب»{استشاط الرجل غضبا}
وكانت إجابتي: التعبير الأول أجمل؛ لأنه واضح وبسيط، بينما الإجابة الصحيحة يجب أن تكون «التعبير الثاني هو الأجمل»؛ لأن فيه تصويرا وكناية، فلقد شبه الرجل بالجمر المشتعل أو الجمر المتأجج، وأتى بشيء من صفات المشبه به وهي الاستشاطة، وبعد أن انتهى الأستاذ من شرحه قلت له: السؤال يا أستاذ كان أي التعبيرين أجمل في رأيك؟ وأنا قلت رأيي عندما طلب مني، وهنا تأكد الأستاذ أن وقاحتي قد زادت إلى حد يستوجب العقاب، ولم يكتف بدرجة الصفر التي منحها لي، حيثُ أمرني بأن أكتب جملة استشاط الرجل غضبا ألف مرة حتى أتذوق جمالها، وبالفعل شعرت بمعناها، وقررت أن أتوقف عن النضال، وأتبع ما تراه الوزارة حتى يمر العام الدراسي على خير، وكتبت في الشهر الثالث موضوع تعبير عن قدوم الربيع استهللته بعبارة: انفجر الربيع باللون الأخضر، وقذف في جنبات الكون بعبق العبير وأريج الأزاهير، وحصلت على درجة جيدة تعلمت معها أول درس في الحياة العملية، وهو أن «أربط الحمار مطرح ما صاحبه يقول»، كما يشير المثل الشعبي.. الحمار ليس حماري والربيع ليس ربيعي، ونحن في معظم أنحاء الوطن العربي ليس لدينا فصل ربيع أصلا، فالربيع يلتصق بالصيف في فصل «ساونا» دائمة لا ينقذنا منها إلا الأماكن المكيفة، ولكن الربيع الطلق يختال ضاحكا من الحسن ما دام واضع المناهج يرى ذلك، ومن الممكن أن يتكلم الربيع بل ويرقص أيضا ما دامت هذه رغبة وزارة التعليم، وعلى التلاميذ الإقرار بذلك والحفظ والطاعة العمياء على طريقة فيلم «المجانين في نعيم» لإسماعيل ياسين وتوفيق الدقن، وبعد التخرج والتعامل مع الحياة اليومية، سيكتشف كل تلميذ وتلميذة أنه يجب عمل «ديليت» لكل ما تعلمه في المدرسة، ويضعه في «الريسايكل بن»؛ حتى يستطيع أن يفرغ في عقله مكانا لتعلم الأشياء المفيدة.. عفوا أقصد النافعة عكس الضارة.. هذا إذا لم يصب التلميذ بانهيار عصبي مفاجئ من كوابيس فترة الامتحانات.