سأل الشابُ الرجل العجوز: ما أصعب عوائق الحياة، وأشدها إيلامًا، ووجعًا؟ ليجيبه باسمًا: أن تعيش خاوي الوفاض بلا متاعب، لا تجد شيئًا تحمله على كاهلك، وتمضي في الدروب بلا هم وكبد!
لكن يبدو أن تلك الكلمات لن تُجدي كثيرًا مع القارئة «سين واو ميم»، وهي الحانقة الغاضبة، بعد أن ملّت الحصص، والنصائح المجانية على حد قولها، فهي لا تخجل أن تخبرنا أنها أقدمت على الانتحار 26 مرة، وفي كل مرة تنجو من الموت معاودة الكرة.. والسبب أن زوجها المنحل، يقضي كل نهاية أسبوع مع وجه جديد متألق!
وبصرف النظر عن الغضب الشديد من الموت، الذي يُعاند أختنا المصون في كل مرة، وعن تألق الزوج الخائن في لياليه الحمراء، فإننا نقول لكل من ينتظر في ملل، وسقم اليوم الذي تصعد فيه الشمس، وقد غابت الآلام، وجفت الدموع، ورحلت الآهات عن الصدور بلا رجعة، نقول لهم إن هذا ضربٌ من وهم!
لا حياة بلا عوائق، ومتاعب، ومفاجآت، وصفعات من أقرب الناس.. لا حياة بلا آهات، كلما كبرنا زاد الألم، كلما مضى بنا قارب العمر، وبعدنا عن الشاطئ في بحر الحياة الصاخب، ازداد الموج ضراوة، وقسوة، وعنادًا.. هي سنة الكون، فكن على يقين أنك كلما ارتقيت خطوة إلى أعلى ازداد سعير الطريق، وامتدت الأيادي بالنبال ترشق بلا هوادة ورحمة.
لذا يبقى من الرائع دومًا أن تستمر في الرحلة، وأن تحمل على عاتقك مسؤولية أكبر من حدود كيانك البسيط، تتعدى ذاتك وهمومها الضئيلة.. أن تعي أن لحياتك هدفًا أكبر من هوة سحيقة قد تقابلك فتبتلعك، أو سد منيع يُغرقك في ظلام دامس.. حين يكبر الحلم ويسمو الهدف تصغر في حضرته العوائق، وتنكسر الأشواك، وتخجل المعوقات أن تظهر متحدية خطواتنا العملاقة، ليخفت أنين الألم في صدرونا حتى نعتاده، ويملنا فيرحل.
أما في عالم «البيزنس» الشيق، فدرسٌ جديد من دروس القيادة الحديثة يُلقننا إياه «جون ماكسويل»، من خلال سلسلة كتبه الإدارية الشهيرة، قائلاً: «المشاكل تُعطي قيمة للحياة، فلولاها لما كان للحياة طعم، ولا رائحة، ولا لون!»، أما «نيتشه»، الفيلسوف الكبير، فلو عرف عن محاولات بطلتنا الفاشلة في الانتحار لبصق في وجه سيدتنا الجبانة، مرددًا جملته الشهيرة: «يجب أن نبني بيوتنا على سفوح البراكين، يجب أن نعيش في خطر، لأن الخطورة هي التي تكشف الشجاعة، والتحدي، والإصرار.. أهم عناصر البطولة»!
ونيتشه، لم تكن أقصى أمانيه أن يموت محروقًا تحت حمم البراكين القاتلة، ولم يكن يكره زوجته، أو حماته، وربما لم يُقابل من خانته حبيبته، أو من هجرها زوجها، لكنه أراد أن يصرخ: لا تخش الخوف، فالخوف يقتلنا ألف مرة!! فما هو الحال حين يعتري الخوف كيان شاب يمتلك من القوة، ومن الطموح، ومن الأمل والحلم، ما يجعل الحديد يلين في يديه؟!
يقول العلماء: «إن باطن البحر أكثر خطرًا من الفضاء، وأن هناك غضبًا كامنًا في أعماق البحر قادرًا على تحطيم كل جسم غازٍ، على عكس الفضاء الوديع الساكن، فمتى تكون ذواتنا الصامتة الغارقة في ظلام وسكون أقوى من كل أسطحنا العابرة، متى تكون عقولنا وقلوبنا الزاخرة بالثروة والقوة والتحدي هي مركز الحدث، وليس طرفًا هامشيًا وسط الزحام؟».
ويقولون أيضًا، إن أسعد يومين في حياة الإنسان هما يوم ولادته، واليوم الذي يُدرك فيه لماذا جاء إلى هذه الدنيا.. فهل عرف كل منا ما هي أعطيته في هذه الحياة، ليمضي إلى الهدف من دون أن يكترث لمصائب الطريق، وآفاته المزعجة؟
أيًا كان موقعنا، لا فرق، سواء كنت تائهًا في عالم الأعمال المخيف، أم عصفورًا يهيم في فضاء فسيح، أو حتى إن كنت سمكة وسط حيتان لا تعي سوى لغة القوة، وإقصاء الآخر، انهض اليوم، وافترش أرض بركان وابتسم، فالحياة على حافة البراكين أجمل بكثير من سكنى الجزر النائية، والكهوف، والجحور، بعيدًا عن الضوضاء، والصخب!
لا حياة بلا مآس، وتعب.. كلنا لها، فلنذكر نيتشه، والعجوز، ورفيق الطريق، وثورة البركان، وعنفوان أعماق المحيطات، ولنكتشف سر وجودنا، لنحيا من أجله، فلولا عِظم أمانينا لما هانت الجراح.. تبقى آلامنا الفردية ذرة، بل نكرة، في عالم أحلامنا، وطموحاتنا المليء بالكفاح.
دمتم ودام الوطن بألف خير.