أغنية دينية في رمضان (زكاة) عن الأغاني العاطفية !
لا بدّ من الخشية عندما تتداخلُ الأشياء ببعضها... فمطربو «الحداثة» دخلوا إلى ساحة الأغنية الدينية...! وها هم يبحثون عن فرصة للظهور حتى في رمضان، وآخرون وجدوا لهم فرصة بعد نجاح تجربتهم بإنشاد الأدعية، كالفنان وائل جسار الذي ينوي الآن غناء مجموعة من الأدعية أو (التراتيل) المسيحية. سعد الصغير قدّم أغنية بمناسبة رمضان، وديانا حداد صوّرت «فيديو كليب» للمناسبة، ولطيفة أيضاً. الصورة مختلفة قليلاً حيث يطغى عليها الأبيض (الملائكي) لإظهار حسن النوايا وإشعار المشاهد بشدّة الإيمان.
سرت موضة غناء شارات (أو مقدّمة) المسلسلات التي تعرض في رمضان في السنوات الماضية ووجدت هذه التجربة فرصة للتواصل مع المشاهدين من خلال حضور المطرب كل ليلة إلى جانب الممثلين الذين يعلو شأنهم في هذا الشهر. ويزداد الإهتمام الإعلامي بهم ليسحبوا البساط من تحت أرجل المطربين، إلا أن المطربين تقدّموا خطوة، واللافت أن المطربين الذين غنّوا شاراتِ المسلسلات هم من الدرجة الأولى ويحسبون من ذوي الأصوات الجميلة... لعلّ تجربة المطرب علي الحجار فرضت هذا المستوى وهو صاحب أكبر تجربة بهذا الميدان وخاصة في المسلسلات المصرية الكلاسيكية منها «الأيام» عن حياة طه حسين ومسلسل «ذئاب الجبل» و«بوابة الحلواني» و«حدائق الشيطان» وغيرها الكثير.
وجد المنتجون السوريون ضالّتهم عند المطربين اللبنانيين، فكان لصوت الفنان ملحم زين الذي قدّم أغنية «أهل الراية» وقع إيجابي، وهذا الذي فعله معين شريف في مسلسل «الحوت»، وجورج وسوف لأول مرّة يقدّم إشارة مسلسل «ما ملكت أيمانكم» وغيرهم من أصحاب الأصوات المميّزة.
لكن نظرية الفنان هشام عباس التي تقول: تقديم أغنية دينية هو بمثابة (زكاة) عن الأغاني العاطفية... هذه (الفتوى) كأنها تضع الغناء العاطفي في مصاف المصادر المادية التي يجب أن يزكّي عنها المطرب، وإن كان من الأفضل طبعاً أن يقدّم المطربون بعضاً ممّا يحصلون عليه للمؤسسات التي تساعد المحتاجين.
وليسمحوا لنا بفرصة للراحة من حضورهم وأصواتهم على الأقل في شهر رمضان، والراحة المطلوبة والملحّة من إطلالتهم التلفزيونية التي عادة ما يطرحون من خلالها نظرياتهم المصابة بالـ «ميوبي» ضعف البصر والبصيرة، إلا أن سوق الأغنية حسّاس هذه الأيام ولا مجال للغياب، فالكلّ يترصّد الكلّ...
تامر حسني كانت له تجربة استغلّ من خلالها شريحة معجبي الداعية عمرو خالد، وسرت إشاعة أنه اتّجه نحو الإنشاد الديني، لكن سرعان ما تبدّدت تلك الإشاعات حين ظهرت في شوارع القاهرة صور الفنان وسلمى (فيلمه عمر وسلمى مع الفنانة مي عز الدين) وآخر إنتاجاته المصوّرة على طريقة مايكل جاكسون.
علّه نجح سامي يوسف نجم الأغاني ذات الطابع الإنساني الذي دخل البيوت من أبوابها، فقدّم مجموعة من الأعمال (الفنية) ذات الطابع الديني والأخلاقي، واستمرّ في هذا النهج ما جعله نجماً في هذا المجال ولم يزاحمه أحد رغم تكرار المحاولات. قد يكون هذا السبب الرئيس وراء انجرار جموع الفنانين نحو هذه الأغنية، لكن رغم كثرتها لم يستطع أحد منهم أن يلغي صوت سيد مكاوي الذي غنّى «رمضان جانا وفرحنا بو».
نجوم السينما يتقهقرون على شاشة رمضان
الأفلام الأخيرة التي أفرزت مجموعة من النجوم السينمائيين بإدارة مخرجين لهم رؤية في عالم الصورة، أحدثت توازناً على الساحة الفنية أمام الأفلام التي سيطر عليها (تهريج) النجم الواحد.. هذه المدرسة بدأت «تستهوي» من اعتقدنا أن لهم مشروعاً فنياً ومستقبلاً مختلفاً ورؤية جديدة لمفهوم النجومية .
متابع المسلسلات الرمضانية يكتشف هذا حين يشاهد هند صبري وغادة عبد الرازق، فكلتاهما قدّمتا وشاركتا في أفلام منسوبة لمخرج، أو إلى جانب أبطال لهم باع طويل في السينما، إلا أنهما، ما أن توضّحت الصورة (براقة)، انضمّتا إلى لائحة النجمات اللواتي تكتب لهن المسلسلات على قياساتهن.
هذه المدرسة تبلورت على أيدي يسرا وإلهام شاهين وليلى علوي، والعائدة الباحثة عن لقب جديد الذي وجدته في تاريخ الملكة نازلي، ألا وهي ناديا الجندي، وإن كان الجمهور لم ينسَ صورة نازلي التي قدّمتها وفاء عامر في مسلسل «الملك فاروق» وكانت محل إعجاب واستطاعت أن تقدّم الشخصية بكل رقيّها وبكل سطوتها وبكل «فجورها» لتنجح ضمن اللائحة التي قدّمها حاتم علي مخرج العمل، رافعاً اسمه فوق أسماء كثيرة كانت تدّعي بأن لها باعاً في الإخراج .
هند صبري في مسلسل «عايزة أتجوز» تقدّم صورة مهزوزة لنفسها كممثلة، تملأ الشاشة صراخاً غير مبرّر درامياً، تحاول أن تظهر على طريقة محمد سعد ومحمد هنيدي ... صراخ يليه صراخ وثرثرة تتبعها أخرى لتضعك أمام فكرة أنها تملك جهاز تلفزيونك الشخصي. أهذه هي هند صبري التي مثّلت فيلم «ملك وكتابة» إلى جانب محمود حميدة؟ أهذه هي هند التي شاركت في «عمارة يعقوبيان» إلى جانب عادل إمام؟ هل هذه هند التي قدّمتها إيناس الدغيدي في «مذكرات مراهقة»؟ هند انتقلت إلى عالم النجمات اللواتي يقدّمن فضلاً للفنانين حين يقبلن بمشاركتهم معهن كمجرد (كومبارس) يتحرّكون لحركتها ويشتمون لإرضائها ويتضاحكون لضحكها، ليصبح إسم العمل مسلسل هند صبري.
غادة عبد الرازق في «زهرة وأزواجها»... لن أقول الخمسة بل سأترك الرقم لما رآه المشاهد في الحلقات الأولى. المفترض أن زهرة وهي غادة عبد الرازق فتاة فقيرة مغلوب على أمرها، ممرّضة تعطي الحقن للمرضى من أجل المال القليل، فجأة تتحوّل إلى «معشوقة الجماهير» وقعت القاهرة بغرامها وأسرَتها لجمالها، فالحاج العجوز والمتموّل الخليجي والطيّار الذي يزور الحاج وأهل (الحتة) وكل من رأت عينه زهرة (غادة) التي تلبس شعر خمس فتيات فوق شعرها، وتظهر في المَشاهد التي يفترض أن تكون فيها بائسة بأناقتها الكاملة!!! إلى متى هذا العبث في الصورة؟
ففي أفلام خالد يوسف وإن كان للنقّاد تحفّظ على فيلم «دكان شحاتة» الذي يعدّ من أسوأ أفلام هذا المخرج الشاطر الذي عملت غادة بإدارته، كانت الشخصية النسائية المتّزنة في الفيلم، إنفعالاتها، وجمالها المختفّي خلف حزنها، وأزياؤها الصعيدية كانت تنذر بوجود نجمة سينمائية تستحقّ التصفيق، والسير على السجادة الحمراء، ها هي تنضم، بل وتتسابق لتنضم، إلى نجمات (الأنا) الأعلى، ومن بعدي الطوفان.