كلاهما معا لا هو خليفة على الخلق، متصرف فيهم، مدبر لأمورهم، ولا هي بدوية، غريبة، ما يريده إقامة صلة وليس إشباع رغبة، فات زمن التهدئة باحتواء الجسد، التمكن الأتم، المرضي، لا يكون إلا بامتزاج ما لا يُرى، لا يذكر عدد الأبكار اللاتي عرفهن، تتداخل الملامح عنده، عندما اكتشف منذ سنوات ما يقمن به القيان المدربات الخبيرات أبطلهن عن ذلك، كان ذلك عرفًا مستقرًا منذ عهود الأجداد، بعد أن تستقر الجارية في القصر، يجري إعدادها وتجهيزها، تمريرها عبر بخار العطور العنبرية أو المسكية، ما يفضله ولي الأمر، تجري الأمور كلها طبقًا لما يحبه ويهواه، تحكي إحداهن عن عمه الذي غضب عندما وجد الجارية القبرصية ملساء، كان يحب بقاء الشعر وتحسسه ويصف حلقه أو اقتلاعه بأنه شبيه بالسلخ، أما جده الواثق فاعتاد أن يختار بكرًا مساء كل خميس، كان يبث العيون يستدل على كل ذات أسنان فلجاء وشفتين مرتويتين، يرسل ليخطبها أو يشتريها، تصل قبل الخميس إلى القصر، يجري تطييبها، وفي الليلة المعينة تجلس معها القيِّمة ذات الخبرة، تنصحها، تصحبها إلى حجرة الملابس، تشرف على ارتدائها الثوب الموسلين الشفاف، كان ـ رحمه الله ـ يدخل إلى الغرفة صامتًا، يقبل على من اتته طوعًا أو غصبًا فلا ينطق كلمة، ولا يتبادل جملة، لا يبدي رسمًا أو إشارة، وبمجرد الانتهاء ينصرف إلى الحمام المجاور، وتبقى البنت ساعة على الأقل بمفردها تمامًا، في غرفة لا نوافذ لها، ولا مخارج بادية، تدخل القيِّمة لتبدي الترفق والعناية، ولتسألها عما إذا كانت راغبة في الإقامة بالقصر، أو العودة إلى أهلها، على أن يَصرف لها في تلك الحالة مقدار معلوم يكفل أمرها وشؤون مولودها حتى يشب ويسعى، تعتبر مطلقة الخليفة، لكن لا يحق لها الزواج أبدًا، أيهما تقبل؟ لابد من حسم أمرها تلك الليلة.
عندما ألمّ بما كان يجري أبطل ذلك، لم يبق إلا على عيونه التي تسعى في البادية، وما تلك البدوية إلا ثمار سعيهم، ليته توصل إليها بنفسه، ولكنه يعرف تمامًا أن الإنسان لا يمكن أن يلم بكافة ما يرغبه، ها هي ماثلة أمامه، مصغية، فليبدأ طريقه صوبها، يعلم أنه لو أقدم الآن لما قاومت، لكنه أحجم، لو أنها أمامه منذ عشر سنوات لاختلف أمره، وما نأى كثيرًا عن تصرف جده الواثق، لكنه الآن يفضل أن يصغي، وأن يرى، أن يتلمس، أن ينفذ على مهل إلى أدق خبايا الروح.
ما لكِ؟
ياه، أية شكاية صامتة؟ تمامًا مثل حضورها الذي لم يعرف مثله، يبدو اللوم في عينيها والأسى، يلمس ذقنها مداعبًا.
ما بكِ؟
تهز رأسها، تميل إلى الأمام مطرقة، لم يقدر على منع نظراته من التجوال، متلمسًا مشارف قوامها، لم يألف مثل ذلك من قبل، لم تكن أنثى، إنما دولة قائمة بذاتها، حصن لا يسفر عما بداخله، باسقة، متعددة الثمار، غير أنها قصية أمامه ونائية عنه، هذا ما أدركه تلك الليلة، وما انتبه إليه أنها بعيدة بالروح أضعاف قربها بالحس، عندما خلا إلى نفسه وانفرد، يؤثر النوم بمفرده، يتحرر تمامًا في هذا الحيز غير الفسيح، يتمدد فوق فراش به بعض صلابة، هذا ما نصح به طبيبه القبطي، اليبوسة أفضل، الجدران محكمة، لا تنفذ منها الأصوات، والستائر مسدلة لا تسمح بمرور الأضواء إلا إذا شاء وأطل على الحديقة التالية، في لحيظات ما قبل نعاسه تراءت له، فأدرك أنه يرغبها، وأنه في تعلق متين.