منذ البدء.. وحتى الحياة التي نراها ذكية، مروراً بتاريخ هذه الأرض السحيق والطويل، من هروب ولجوء وحروب وخراب، من أمل وحب وولادة وكينونة، كان هذا ما قدمه مخرج العرض الأردني "هاش تاغ" د. محمد خير الرفاعي، برفقة مجموعة مثيرة من الممثلين والراقصين الذين استطاعوا تقديم لوحة جسدية تعبيرية مدهشة وهم كل من "علا مضاعين، عبد الله عبيدات، أيسر غرايبة، محمد كنعان، معتز علاونة، وصابر شحاده"، وذلك في أول أيام مهرجان الأردن المسرحي بدورته الثانية والعشرين، وعلى خشبة المسرح الرئيس في المركز الثقافي الملكي بالعاصمة الأردنية عمان.
حين يتّحد الممثل مع الخشبة..
اعتمد المخرج الرفاعي على تقنيات عرض حديثة، ربما لم تعهدها خشبات المسارح العربية من قبل، حاول من خلالها خلق ذلك الإتحاد بين الممثل والخشبة نفسها من ديكور وإضاءة وغيرها. فاستخدم القماش الأبيض ثلاثي الأبعاد، التي كونت الفضاء المسرحي في العمل، إضافة إلى "بروجيكتر" يعرض العديد من الصور والفيديوهات لتغيير شكل هذا الفضاء بما يناسب الحقبة والموضوع والمشهد الذي يقدمه.
أما بما يخص أداء الممثلين، فكان أداءً حركياً يخدم فكرة العمل البصرية، فجاء متناغماً وبسيطاً.. مثبتاً لوحدة العرض غير منفصل عنها.
وكانت أزياء المؤديين البيضاء جزءاً آخراً من ديكور العمل والشاشة البيضاء ثلاثية الأبعاد، فاستطاع الرفاعي حينها أن يخلق ذلك التوحد بين المكان والشخوص على الخشبة، لتكتمل دائرة الانسجام بينهما بشكل مذهل، ويصبحون وحدة واحدة مع الفضاء المسرحي.
لا حاجة للكلام..
عملٌ صامت، استطاعت مشهديته البصرية المدهشة والمدروسة جيداً أن تغني الجمهور الملتقي عن الحوارات والمنلوجات لتوصيل مقولة العمل، وهذا ما يعد تجربة نادرة وغريبة على المدرسة العربية في المسرح، وقليلون هم المخرجون الذين استعانوا بها، لكن الرفاعي أضاف إلى ذلك استعانته بالتقنيات الحديثة، فلم يقم بتوصيل مقولته المسرحية فقط، بل زاد على ذلك أنه منح فرصة مشاهدتها للجمهور، فكان حلماً مسرحياً خالصاً يراه الحاضرون على الخشبة.
أما الموسيقى فكانت منسجمة تماماً مع العرض، واستطاعت أن تخدم الرؤية الإخراجية للرفاعي، ما ساعدت رؤيته البصرية في تقديم نص حديث صامت استطاع التخلي عن اللغة المنطوقة فيه.