معه أكون جميلة!


الجمال هو طاقة تنبعث من الصدق

وعبير ينثره نقاء القلب

زارتني بعد أيام من سفر زوجها للعمل بالخارج، حيثُ ستلحق به بعد شهور، وأخذنا الحديث إلى لحظة أخذت تبث لي فيها افتقادها الشديد له، فقالت فيما قالت: «بمجرد وجوده معي أشعر أني جميلة». قاطعتها بقولي: بل أنتِ دومًا جميلة يا حبيبتي، ولا يختلف في هذا اثنان، استطردت بسرعة: «لا.. معه أشعر بجمالي الخاص جدًّا، الذي لا يراه أحد سوانا».

معه أكون «أنا» الحقيقية كما خلقها الله.. بلا أي زيف.. أو وهم..

معه لا أجد بي حاجة لإثبات قدراتي.. ولا أبذل جهدًا لتصل إليه أفكاري.. ولأستقبل أفكاره.

معه تقع كل الأقنعة من تلقاء نفسها.. لا أخاف ضعفي.. ولا أزهو بقوتي.

معه لا تُجرح كرامتي.. ولا أحتاج لسلاح أدافع به عن كياني.

معه ينمو عقلي.. وتتفجر إمكاناتي.. وترقى نفسي.. وتشف روحي. شعرت وأنا أستمع لها وكأنني أعيش داخل رواية من روائع الأدب الرومانسي العالمي، فقلت لها في ذهول: هل أنتما من عالم آخر غير الذي نعيش فيه؟ أم أن شوقك له جعلك شاعرة ترى الواقع بعيون الخيال؟ أجابت بابتسامة جميلة: «هل تعرفين أننا منذ عامين تأزمت الأمور بيننا وكنا على وشك الطلاق؟» ازدادت دهشتي وقلت على الفور: لا.. لا أصدق ذلك.. أين كان كل هذا الحب؟ قالت ولم تفارقها الابتسامة: «لم يغب الحب أبدًا، فهو الذي دفعنا لتعلم أشياء كثيرة لننقذ علاقتنا من الفشل، وما أقوله لك الآن هو ثمرة جهد بذلناه معًا لنقيم علاقة سوية، تساعد كلا منا أن ينجح في حياته». سألتها وقد ملأني الفضول: تقصدين «حياتكما»؟ هنا ازدادت ابتسامتها اتساعًا وأجابت بلا تردد: «بل أقصد ما أقوله «أن ينجح كل منا في حياته»، طبعًا هناك حياة مشتركة بيننا، وهي قلب علاقتنا، وسر سعادتنا معًا، ولكننا اكتشفنا أن واحدًا من أهم أسباب الأزمة التي مرت بنا هو أن كل واحد منا.. وبمنتهى حسن النية.. كان يعمل على أن يُلغي الآخر، وهو يعتقد أنه يقوي العلاقة، كان يظن أن الحب يعطيه الحق في أن يجعلني جزءًا منه، وملكًا خالصًا له، وكنت أظن باسم الحب أيضًا أنني من حقي أن أُشكِّل طباعه وعاداته وشخصيته ليكون إنسانًا آخر من صنعي تمامًا». «كان يغار عليَّ بشدة من حبي لأسرتي وأصدقائي، بل ومن عملي، وكنت أنا أفرض عليه الملابس التي يرتديها، ونظام النوم والطعام، ونوعية الأفلام والكتب والأماكن التي نرتادها.. وهكذا، في البداية كان كل واحد منا يحاول أن يرضي الآخر، ويتنازل عما يحب، مع مرور الوقت تباعدنا.. وتجافينا.. وأصبح زواجنا كـ«مصيدة» دخلنا فيها ولا نعرف كيف نخرج». ازداد فضولي فقاطعتها قائلة: كيف أمكن لكما استرجاع «الجنة» التي بدأت بها حديثك؟ قالت: «لم يكن الأمر سهلاً، لكن نقطة البداية كانت حين اكتشف كل واحد فينا أن سبب تعاسته هو أنه باسم الحب كاد «يفقد نفسه»، ويدفع الآخر في نفس الاتجاه، فحين دخلت في أعماق نفسي، وتتبعت دوافع سلوكي بصدق، اكتشفت أني كنت أتطلع –دون وعي- لصنع نسخة جديدة من صورة أبي القابعة في وجداني على أنها «نموذج الرجل»، واكتشف هو أن غيرته المريضة كانت بسبب خوف ما أن يفقدني». «حين التقينا، بادرته قائلة: أخطأت حين حاولت أن أصنع منك «نسخة» من إنسان آخر، سامحني، الآن أريد أن أعرفك أنت أكثر، وأعيش معك أنت، قال وقد أضاءت الفرحة وجهه: خوفي من أن أفقدك جعلني لا شعوريًّا أقوم بكل الأشياء التي تبعدك عني، سامحيني». سألتها بشغف: هل كان هذا وحده كافيًا لإقامة علاقة سوية على أرض الواقع؟ تنهدت بعمق وقالت: «لقد كوَّن الألم داخل كل منا ما يشبه جهاز إنذار ينبهنا بسرعة للخطأ فنتراجع عنه فورًا، لكن الأهم من هذا هو أننا أقسمنا معًا على عهد نجدده باستمرار، وهو أن يساعد كل منا الآخر ليكون نفسه.. ويكون أقوى.. ويكون أفضل في كل شيء، وأن يحترم كل منا اختلاف الآخر، الآن نعرف جيدًا أن نجاح أي علاقة يحتاج بذل الجهد الصادق من الطرفين، وهو جهد يتضاءل حجمه إلى جانب سعادة التواصل، والتوافق بينهما في الحب». تركتني وقد ملأت نفسي أملاً بأن أتعلم، ويتعلم البشر جميعًا كيف نزرع بذور علاقات سوية نسعد بها، ونمنح من أريجها ما يسعد كلَّ منْ حولنا.