يرجع تاريخ الجمال إلى ستة آلاف سنة قبل الميلاد، منذ أيام الفراعنة وبلاد بابل، حينما كانوا يبحثون عن منافذ لعلاجات البشرة ويستنتجون من ثمار الطبيعة ما يحمي ويساعد البشرة على النضارة والحيوية والبريق ، حيث كان الفراعنة يستخلصون من مناجم الذهب فتات القطع الذهبية، ليضعوها كعلاج للتصبغات، كما كانوا يعتقدون، وهذا ما جعل كليوباترا تدمن على هذا القناع الخالص من الذهب الطبيعي، من أجل النضارة، لعدم وجود بدائل حينها، ولأهمية الاعتقاد السائد بأن الاثمن هو الأجود .
البعض الآخر كان يستخدم حليب الحمير، الذي يعتبر الأقرب لحليب الأم، في علاج بثور البشرة، من دون ان يعرفوا الأهمية العلمية لاحتوائه على حمض اللاكتيك الحليبي، المستخدم اليوم في بعض المنتجات الواقية والعلاجية . والبعض الآخر كان يستخدم زيت الخروع، كأحد منشطات لمعان ونضارة البشرة . وكأنّ للتاريخ حلقة وصل لا تنتهي، فمع رحلة بحث الإنسان عن الأجود والأحسن في هذا المجال ، كان أحد أهم أركان الجمال، منذ تلك العصور، هو الحصول على بشرة نضرة بيضاء خالية من التصبغات الجلدية، وهذا ما كان يميز الجمال في تلك العصور ، البشرة البيضاء ناصعة اللمعان من دون شوائب. لذلك فقد أخذ اتّجاه النساء، بسبب عدم وجود البدائل حينها، إلى استخدام معدن الرصاص كمادة مبيّضة للبشرة، وخلطه مع مركبات أخرى. حتى فترة عصر النهضة (1400-1600) كانت أغلب النساء يلجأن إلى جعل لون بشرتهن بيضاء باهته، كنوع من أنواع الجمال المتشبه للبورسالين حينذاك . وعلى هذا الأساس، قامت ثورة صناعة المنتجات المبيّضة المحتوية على مادة الرصاص التي تعمل على صبغة الميلانين، وبكل أسف بشكل سيّء ، وكان يسمى حينها بالسيروس، وله منتجات عديدة منها على شكل مستحضر طحيني او كريم صبغي، ولكن مع الأسف الشديد كان له ضحايا عديدة نتيجة احتواء هذا المركب على مادة الرصاص السامة. وكان أول الضحايا ملكة إنجلترا الملكة إليزابيت، التي كانت قد أطلقت على هذا المستحضر السام "قناع الشباب" ، حيث يمتص الجلد كميات من الرصاص المركزة ليسبّب تسمّماً قاتلاً في الدم، وعجزاً عضليّاً في الجسم، وصلعاً مخيفاً، وهذا ما أدى بعد ذلك الى وفاة ملكة إنجلترا الأولى المفاجى، بسبب تسممها من هذا القناع الرصاصي المبيّض الذي اعتادت وبالغت في استعماله في أواخر القرن السادس عشر، مثلها مثل الكثير من السيدات .
وكما دوّن في تاريخ الجمال والتبييض في العصور السابقة، وقبل تطور فنون العلوم التجميلية الكيميائية والتقنية وعلوم الصيدلة، كانت النساء أيضا في السابق يلجأن الى استعمال الزئبق كمادة مبيّضة، ولكن ترسّبات الزئبق على الجلد ضار جدّا مثله مثل الرصاص . وهذا ما يحفزني اليوم إلى أن أقف وأنادي بأعلى صوتي لتجنب ما يطرح في أسواق الترخيصات غير الشرعية لتسويق إبر التبييض الوريدية والعضلية، التي تعتبر مبيّضة ممتازة، ولكنها قاتلة ومحطمة لحياة الانسان. لذلك أكرر دائما: احذروها من أجل سلامتكم ...
لم يكن الطب على مستوى ما نحن عليه اليوم من تطور، بل كان قائماً على يد العطارين وعلى أسس حياة بسيطة ينقصها خبرات حقيقية ومراكز أبحاث وورشات عمل، ولكن مع ثورة الجمال والتجميل ومراكز أبحاث الجلد والبشرة، تطور العلم وأصبح فعلاً لكل داء دواء، لذلك أهمية اختيار الطبيب مهم، وعدم الاختيار العشوائي دون الاستشارة الخاصة للمشكلة أهم، واختيار المنتج والمستحضر تحت إشراف طبيب جلدي مرخص مهم جدّا من أجل سلامة الانسان، ومن أجل التأكد من صحة وترخيص المنتج من قبل الهيئات الصحيّة .
بقلم الدكتورة جيهان عبد القادر
رئيس تنفيذي مستشفى الأكاديمية الأمريكية للجراحة التجميلية