ليست سيدتي من أمرت؛ سيدتي من قالت: مرني، فأوامر المحبوب في العشق ترف وشرف.
ليست سيدتي من تملكني، بل من قالت: اقض بما أحببت فقد ملكتني، ملكتني باختياري. فالتبعية للمحبوب حرية، وسموات سبع للتحليق والهيام.
ليست سيدتي من أخذتها العزة -عزة الجمال- بالإثم، فأمرت ونهت ولم تنتبه لقلبها هي، ونصيبه من لذة التواضع للمحبوب؛ بل سيدتي من كانت رقيقة كنسمة، خفيفة كحشية من ريش نعام، في عينيها السوداوين ولاء شرقي، وفي شفتيها صيف جنوبي، في جبينها شمم، وفي شعرها المنسدل عليه ليونة ونعومة وتمرد وخضوع وامتثال.
ليست سيدتي من تحرص على تجريدي من كل مال؛ لتضمن إخلاصي لها وبقائي معها، وبوضوح وتحديد أكثر، تضمن أني لن أتزوج عليها، أو كما تقول بعض خبيثات المصريات «تقصقص ريشي»؛ ليست سيدتي من تفعل ذلك؛ بل هي من تثق بي، ومهما أعطها من مال توفر منه بقدر المستطاع، وتصارحني بما توفر؛ لكي تشد أزري في معركة الوجود في أدغال الحال بين وحوش الأسعار والتجار.
وليست سيدتي من تخون؛ سيدتي من تصارحني إذا ملت أو كرهت، وعليَّ عند ذلك أن أطلق سراحها بإحسان...
ولست سيدًا أنا إن أذللتها أو عاندتها برفض الطلاق انتقاما منها، أو كبرياء ومكابرة مني؛ لست سيدا، بل عبدا لشهوة الانتقام، وخادما ذليلا للكبر، وألعوبة في يد الغضب واللذة الخبيثة في التشفي والإيذاء.
ليست سيدتي من كانت غليظة القلب، وإن امتلكت المال والجمال، ولست أنا سيدا لأحد إن لم أكن أولا سيدا لنفسي.
أما أنتِ، فأنت السيدة في أعلى وأحلى تجلياتها، عيونك القادرة على كل قلب فيها إلى جوار السحر والإغواء أمومة، شفتاك الداعيتان في صمتهما إلى الخروج على القانون لا تنطقان إلا بكل هدي واهتداء، اهتداء دون تزمت، مثلما يهتدي الرضيع إلى ثدي أمه، صوتك يمكن أن يشيع تمردا في أي جمع، لولا أن الكلمات توصي بالحنان والمودة، والتأدب والتهذب والخشوع.
أنتِ سيدتي؛ لأن مكوناتك فيها من الخضوع والاستعلاء ما هو خطر على أمن القلوب، لكنْ على قمة هذا الكيان عقل كله إيمان، وحكمة وتفتح، عقل يرى في التواضع والرقة سلاحا ماضيا يكسب معاركه مسبقا.
أنت سيدتي؛ لأن ضعفك يحرسه جمالك، وجمالك يحرسه عقلك؛ لأن ضعفك جمال وقوة، وقوتك وجمالك في ضعفك.
أنت يا من رقتك رسالة تحذير شديد اللهجة لمن تسول له خسته أو غروره أن يتطاول أو يتجاسر فيخون أو يهجر؛ يا من وداعتك عن ثقة، لا عن خوف. أنت وديعة لأنك تعرفين عن يقين أنه ما من رجل لديه أدنى شعور بالجمال يستطيع أن يعتدي على طمأنينتك؛ وأنت مطمئنة؛ لأنك تعرفين أن سيدك عبد لمحبته لك، لا يستطيع أن يهجر أو يؤذي كيانا فيه كل هذا القدر من السلام والخشوع، وكل هذا القدر من الاعتداد والاعتدال والنقاء والطيبة، والعزة المولودة من رحم الإيمان والقدرة على خلق الخير والحب أينما وُجدت، العزة المستمدة من طاعة المحبوب في كل ما هو محبوب، والامتثال لأوامر القلب في كل ما هو طعام طيب وطاهر للقلوب.
فستانك المبهج الوقور، ذو الزهر الضئيل الأزرق على خلفية بيضاء، أشرق الآن في أفق صباحي، وتكلمت عيناك كلاما جعل من كل ما كتبت محض كليشيهات ميتة، سأترك المكتب وأقوم، وسأخرج في نزهة معك. يدك في يدي تذكرة رحيمة بأنك توجدين، وأنا أحتاج هذا بالتأكيد كي أستمر.
طيور وزهور مارس تحتفل بالدفء بطريقتها، ونحن معا، نملي على المحبين طريقتنا المثلى:
في الحب لا عبد ولا سيدة، لا سيد وعبدة، بل سيد وسيدة.
أنت سيدتي، وأنا سيدك. تأمرينني فأطيع، ولا غضاضة في أن تأمريني فأطيع.
ولقد أمرتك الآن أن تنهضي فتصنعي لي قليلا من القهوة، فجئت لي بقدح من أثير، رشفت منه رشفتين، ثم بدأت الكتابة.