دخول الأكلات بكفيل..! (1)

علاقة

الإنسان بنوعية معينة من الأطعمة والأشربة؛ أمر قديم قِدَم الحضارة

الإنسانية نفسها، ولعل القرآن الكريم وثّق ذلك من خلال الإشارة إلى بني

إسرائيل، حين سألوا الرب -جل وعز- أن يعطيهم من «فول الأرض وعدسها وثومها وبصلها»، ثم وبّخهم الله –سبحانه- على هذا الغباء، حين استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.. إلخ!

ومن خلال ترددي بين الحجاز ونجد –بريدة مسقط رأسي– استحلى في عيني أن أكتب شيئا مما خبرته من أمر الأطعمة بين هاتين الجغرافيتين، ولا عجب؛ «فرائحة الطعام جغرافيا»!

ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن في الحجاز وجبة اشتهر بها، ألا وهي الفول، ولقد قال بعض السلف: «من أكل فولا أربعين يوما فقد استثور» –أي صار ثورا–، ولقد جربت هذا بنفسي، فقد أدركتني ضائقة مالية فأدمنت أكل الفول أكثر من أربعين يوما، عندها لاحظت أن نسبة ذكائي تدحدرت إلى دوري الدرجة الأولى، بعد أن كانت  في دوري «زين» للمحترفين، وصرت لا أميز هل أنا عرفج أم عرفوج؟!،

 ولا عجب.. فهنا في بريطانيا عشرات الكتب تحت عنوان: (you are what you eat) «أنت عبارة عما تأكل»!

ويقابل الفول في نجد شرب اللبن بكمية كبيرة بعد الوجبة الدسمة، الأمر الذي يُشعرك بكثير من الدلاخة، ووفير من التنبلة؛ لذا أدركتني ثوارة الحجاز، وتنبلة نجد!

ولو عدنا إلى الفول لوجدناه رغم حجازيته، إلا أنه قوبل كما قوبلت القوات الأميركية في العراق «بالورود والزهور»، ولا عجب حين نجد في بريدة عشرات المحلات التي تحمل لوحات «فوال القرموشي»، «فوال الطائف»...إلخ، وبجانب هذه

اللوحات تجد أخرى صغيرة تقول: «يوجد لدينا فول، عدس، عريكة، معصوب، مقلقل، كبد وهريسة»، وهذه الأكلات كلها جاءت لبريدة عبر كفيل حجازي!

أما في اللحوم، فإن الأمر واضح جدا؛ فالسمك -مثلا- أكلة حجازية بامتياز، ومع ذلك شقَّت طريقها بصحبة «رز الصيادية» إلى المائدة «القصمنجية»، في حين أن الحاشي النجدي (أي صغار الإبل) لم تهضمه المعدة الحجازية التي تؤمن بأن «المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء»، كما أن الوضوء من لحم الإبل شكل عائقا؛ لتسرب هذا اللحم اللذيذ إلى المائدة الحجازية، وفي المقابل رائحة السمك لم تمنعه من أن يتخذ سبيله في نجد عجبا!

أما في الجانب الآخر، فنجد أن السفرة النجدية لم تكن لينة في استيلائها على المطبخ الحجازي؛ لذا لا عجب أن ترى عشرات المطاعم التي تبيع المطبوخات النجدية مثل: «مطازيز والمرقوق والجريش والمثلوثة»...إلخ، وهناك قصة طريفة تقول: إن أحدهم قال لصاحب المحل: (أعطني عشرة نفر مطازيز، وضع كل مطزز في صحن)!. و(في العدد القادم نواصل الكتابة عن الأكلات التي تدخل إلى المدن بكفيل ووكيل)!