ساعدي طفلك على تقبّل النصح والمشورة والاعتراف بالخطأ

تفيد دراسة صادرة حديثاً عن "المعهد الأميركي لقدرات الطفل العقلية" (The Child Mind Institute) أن اتباع لغة الأوامر في توجيه السلوك بين الأم وطفلها غالباً ما يقابل بسلوكيات سلبية من جانب الطفل، تشمل عدم تقبّل النصح أو العصيان أو التمرّد أو الاحتجاج أو التباطؤ في تنفيذ الأمر أو رفض الاعتراف بالخطأ المقترف، فضلاً عن معاناة عدد من الأمهات من عدم اهتمام أطفالهن بطلب المشورة والنصح، خصوصاً في المرحلة الأولى من تكوين شخصيتهم أي في الفترة ما بين 5 أعوام إلى 12 عاماً.


ولكن، يشدّد خبراء علم النفس على أن الطفل في هذه المرحلة يكون في حاجة شديدة لمن يتقرّب منه ويعرف ما يجول في خاطره من أفكار، ويقدّم له النصح بأسلوب هادئ ومتّزن. 

"سيدتي" تطّلع من الاختصاصية في علم نفس الأطفال في «مركز تنمية الفكر» دعاء الحذيفي على أهم الطرق التربوية التي تستطيع من خلالها الأم مساعدة طفلها على تقبل النصح والمشورة والاعتراف بالخطأ.

يتّفق خبراء علم النفس على أن توجيه السلوك عملية تربوية تهدف إلى تنمية قدرات الطفل العقلية، ما يساعده على اكتشاف أنماط السلوك السلبي في شخصيته وإبدالها بأنماط مقبولة وفقاً لخصائص مرحلته العمرية. ولضمان نجاح هذه العملية، يجدر بالأم اتّخاذ بعض الخطوات المساعدة في التواصل السليم مع الطفل، أبرزها: 

 

1 استخدام لغة بسيطة وسهلة في التعامل مع السلوك الخاطئ للطفل، ما يساعده على تقبل النصح والاعتراف بالخطأ والتقويم.

 

2 التحدّث إليه بصوت هادئ ومتّزن، فمن الملاحظ أن غالبيّة الأمهات تقوم بتوجيه أطفالها بلغة قاسية ونبرة حادّة وصوت مرتفع، ما يدفعه إلى رفض تقويم السلوك غير المقبول والإصرار على فعل التصرفات الخاطئة.

 

3 استعمال الأسلوب الإيجابي في التوجيه والنصح، إذ يفيد بحث نفسي صادر عن «المركز الأميركي لبحوث حياة الطفل» Child Life Council Research أنه يجب أن يكون الأمر الموجّه إلى الطفل إيجابياً، لما يحقّقه ذلك من الشعور بالراحة والرغبة في التنفيذ. فعلى سبيل المثال، يجدر بالأم أن تتوجّه إلى طفلها، قائلة: «حافظ على ملابسك نظيفة» بدلاً من «لا تترك ملابسك تتّسخ» أو «لا تلطّخ ملابسك».

 

4 إتاحة عدد أكبر من الخيارات المناسبة أمام الطفل شريطة أن تحظى جميعها بموافقة الأم عليها، وذلك عوضاً عن استخدام لغة الأوامر التي لا يفضّلها. وبالطبع، تساعد هذه الطريقة الطفل على تقبّل التوجيهات وسرعة تنفيذها. فعلى سبيل المثال، عندما يحين وقت الغداء تقوم غالبية الأمهات بإعطاء أوامر بضرورة بدء تناول الوجبة وإنهائها بالكامل، ما يسبب التذمّر ورفض صيغة الأمر من قبل بعض الأطفال. ويفضّل الاستعاضة عن هذا الأمر بتذكير الطفل بموعد الغداء وسؤاله عمّا إذا كان يريد تناول الطعام الآن أم في وقت لاحق.

 

5 إعطاء الطفل الوقت الكافي لفهم الأمر المطلوب تنفيذه أو السلوك المفروض القيام به وإجراء التغيير اللازم له. فعلى سبيل المثال، عندما تنصح الأم طفلها بترتيب غرفته يجب أن تدع له الوقت الكافي ليقوم بأعمال التنظيف المطلوبة منه.

 

6 وضع حدود عند تقديم النصح والمشورة للطفل، إذ يجدر عدم الإسراف في لفت نظر الطفل إلى أمور يمكن أن يكتشفها ويقوم بها بمفرده. وفي هذا الإطار، ينصح خبراء التربية الأمهات بعدم التدخل في أنشطة أطفالهن سوى حينما يحتاجون المساعدة ويطلبونها أو عند تعرّضهم للخطر.

 

7 تجنّب استخدام لغة العقاب والتهديد كوسيلة لردع السلوك الخاطئ لدى الطفل. وفي هذا الإطار، تكشف دراسة صادرة حديثاً عن معهد التربية في جامعة لندن أن خشية الصغير من العقاب قد تشكّل سبباً مباشراً في عدم اعترافه بالسلوك الخاطئ المقترف من قبله والاعتذار عنه.

 

8 تعزيز ثقة الطفل بنفسه وعدم السخرية منه أمام أقرانه أو مقارنته بهم. وتساعد هذه الوسيلة على زيادة ثقة الطفل في والديه وإقناعه بمشورتهم ونصحهم له، بدون أي اعتراض أو تذمّر.

 

9 مساعدة الطفل على بذل كل طاقته الزائدة في أنشطة حركية تفيده في تقويم الأنماط السلوكية السلبية لديه. وفي هذا الإطار، يتفق علماء النفس على أن مساعدة الطفل على اكتشاف ميوله تجاه رياضة معينة وممارستها بانتظام تعمل على زيادة شعوره بالراحة والاستقرار النفسي، ما يجعله على درجة أكبر من الوعي وتقبل النصح والتوجيه مقارنة بغيره من الأطفال الذين لا يمارسون أي نوع من الرياضة أو ليس لديهم أية هواية خاصة بهم.

 

10 استخدام وسيلة «رسائل التذكير»، وهي عبارة عن جمل تستخدمها الأم لتذكير طفلها بفعل أمر ما في وقت معيّن، شريطة ألا تنطوي هذه الجمل على تعبيرات تدلّ على لوم أو توبيخ أو إلزام بهدف تعديل سلوك الطفل دون التسبّب في إحباطه.   

 

استراتيجيات توجيهية

ثمة عدد من الاستراتيجيات التوجيهية التي يحبّذ الخبراء قيام الأم باتباعها بغرض تقويم سلوك طفلها نحو الأفضل ومساعدته على اكتشاف أخطائه بمفرده ومحاولة التعديل منها، أبرزها:

 استراتيجية ردّ الفعل الصامتة: تقوم الأم بلفت نظر الطفل تجاه سلوك سيّئ قام به عبر استخدام تعابير وجهها أو نظرات عينيها، ما يستدعي منه سرعة التصرف بتصحيح الخطأ الواقع منه. ويعدّ تأجيل النظر فيما سيتم عمله بشأن الطفل إلى وقت لاحق وسيلة فعّالة في كبح جماح غضب الأم تجاه طفلها، مع منحه  فرصة لتقويم سلوكه الخاطئ بدون الشعور بالخوف من العقاب.

 استراتيجية القدوة الحسنة: تقوم غالبية الأطفال باتخاذ الأشخاص المقرّبين منها وخصوصاً الوالدين قدوة حسنة يحتذي بها في تصرفاتها وأفعالها. ومن هذا المنطلق، يقترح خبراء علم النفس أن تكون قدوة الطفل المحرّك الأساسي لتقويم سلوكه نحو الأفضل بدون الحاجة لاستخدام لغة الأمر أو النهي أو التوبيخ في توجيهه أو تقويم سلوكه، كما أن الطفل تزداد لديه درجة تقبل النصح والمشورة من الشخص الذي يعتبره قدوة له مقارنة بأي شخص آخر.

 استراتيجية الاعتذار عند الخطأ: يمثّل اعتذار أحد الوالدين عن خطأ اقترفه واعترف به أمام الطفل نموذجاً صالحاً لسلوك اجتماعي إيجابي يساعد الطفل على تعلّم لغة جديدة.

 استراتيجية المكافأة عند الثواب: تشكّل مكافأة الطفل على أفعال جيدة قام بها وسيلة معنوية فعّالة في تعزيز مردود التصرفات الإيجابية لديه. وفي هذا الإطار، يؤكد علماء النفس على ضرورة أن تكون المكافأة معنوية أكثر منها مادية، كالقيام بالثناء على الطفل أمام أقرانه أو كتابة كلمات شكر وتقدير على بطاقة وإهدائها له أمام أفراد عائلته.

 

استراتيجية تقوية العلاقات الأسرية:

تكشف دراسات حديثة عن مدى تأثير العلاقات الأسرية على التنشئة السلوكية والاجتماعية للطفل، وتحكمها في درجة قبول الطفل للنصح والمشورة من قبل الآخرين. ومن بين أبرز هذه العلاقات:

 العلاقة بين الوالدين: يتفق الباحثون على أن العلاقة المستقرة بين الوالدين ذات أهمية كبيرة في تنشئة الطفل تنشئة سليمة وتوجيه سلوكه بالشكل الصحيح، فيما أن وفرة الخلافات بين الوالدين تؤدي إلى ظهور اضطرابات سلوكية وخلل في الاتزان الانفعالي لدى الطفل كالتمرد وعدم تقبل النصح والعناد والانفراد بالرأي وعدم الاعتراف بالخطأ وعدم الانصياع للأوامر وتنفيذها.

 علاقة الوالدين بالطفل: يرى الخبراء أن علاقة الوالدين بأطفالهما وطريقة معاملتهما لهم تمثّل أداة رئيسة في تكوين شخصيتهم وتقويم سلوكهم. فالطفل الذي يشعر بالحنان والحب من قبل والديه يكون أكثر اتزاناً وتقبلاً للنصح مقارنة بغيره من الأطفال الذين يعانون من سوء المعاملة وعدم الاحترام. وتجدر الإشارة إلى أن الطفل، الذي تستند علاقته بوالديه إلى قدر متّزن من الإشباع النفسي، يقدر على التوافق والتعاون مع الآخرين بشكل جيد.