يبدو أن هناك انقلابًا حدث في مقاييس اختيارات الفتيات لزوج المستقبل، فبعد أن كان التقارب العمري ـ وما يتبع من اتفاق وتوازن دراسي واجتماعي ـ هو الفيصل، وعلى أساسه توافق العروس أو ترفض، انعكس الحال، وأصبح هناك عدد لا يستهان به من الفتيات يرغبن في الارتباط برجال يفوقونهن عمرًا؛ إما هربًا من ميوعة الشباب، أو رغبة في الاستقرار المادي والحماية من غدر الزمان، أو ليتجنبن القطار الذي يمضي بهن إلى عالم العنوسة... ومهما اختلفت الأسباب تبقى الرغبة واحدة في الارتباط برجال أكبر سنًا.
وفي بحثنا وراء هذا الاختيار وشرح أسبابه ـ ما له وما عليه ـ نقرأ دراسات ونستمع معًا لرأي الخبراء والمختصين.
كشفت دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية، أشرفت عليها الدكتورة علياء أحمد محمود، خبيرة الاجتماع، أن %38 من الفتيات يرغبن الزواج من رجال أكبر منهن سنًا، ولا يهمهن أن يصل الفارق إلى 25 عامًا! وضمَّت عينة البحث أكثر من 3 آلاف فتاة يدرسن في المرحلة الثانوية والجامعة، وبعضهن في سنوات عملهن الأولى، ولم يتزوجن بعد، ولقد أرجعن رغبتهن ما بين شعور بالأمان إضافة إلى الاستقرار المادي الأفضل.
وأكثر ما كان يعجبهن في هؤلاء الرجال هي الشعيرات البيضاء، وسمة النضج؛ لمرورهم بتجارب عدة مثيرة في حياتهم.
تفاهات وقلة خبرة
في تعليق على هذه الدراسة أكدت خبيرة الاجتماع بالمركز، فادية عبد التواب، أن فتاة اليوم لم تعد تشعر بالأمان مع من يتقارب معها في العمر، فهي تراه مغامرًا متهورًا، لا يزن الأمور بميزان العدل والخبرة، تحس به ضحل الفكر، لا يملك بداخله الاحترام والحب والإخلاص، معظم حياته يمضيها بحثًا وراء المغامرات والتفاهات، وربما الموضة أو تعاطي أنواع جديدة من المخدرات، عكس الرجل الأكبر سنًا؛ فهو يقدّر زوجته، يفهمها، يحبها، يثق بها، يُشعرها بكيانها، ويحترمها كإنسانة. فماذا تريد الفتاة أكثر من ذلك؟! تعلّق خبيرة الاجتماع: «بطبيعة الحال لا ينطبق هذا الرأي على كل الفتيات؛ بدليل أن المتبقيات، حسب أرقام الدراسة %64، لم يرغبن هذا الشكل من الارتباط».
الرأي المعاكس
وفي تعليق مخالف لمضمون الإحصائية ورأي الفتيات، يرى الباحث النفسي بالمركز نفسه، إحسان السيد، أن الزواج عامةً ليس معادلة كيميائية مضمونة النجاح. ويذكِّر الفتيات بأن الفارق العمري والثقافي والاجتماعي كلما زاد كانت هناك هوة كبيرة بين الزوجين، يتابع الباحث السيد: «رغم هذا لا نستطيع الجزم بأن الزواج بين اثنين متقاربين في العمر هو الناجح، أو أنه كلما زاد عمر الرجل على امرأته كان زواجًا يهدده الفشل وعدم الانسجام»!
«الشايب يُدلل»
هكذا تُردد أمثالنا الشعبية، وبحثًا وراء سر هذا التدليل وذاك التعليل، يضيف الباحث إحسان السيد: هناك الفتاة التي فقدت أباها وهي صغيرة، ولذلك تفضّل اختيار الزوج الأكبر؛ ليملأ هذا الفراغ، وربما كانت متعلقة بأبيها بشكل زائد فتختار من يشبهه شكلاً وسلوكًا ونضجًا وعمرًا؛ ليستمر عطاء التدليل والحب غير المشروط.
ولا نستبعد أزمة العنوسة، والتي تشكّل نسبة عالية بين الفتيات العربيات عامة، والتي جعلت الشاب ممتنعًا عن خوض تجربة الزواج؛ مُعللاً ذلك بعجزه عن الوفاء بمستلزماته ومسؤولياته، مما بث في قلب الفتاة ـ كثيرات منهن ـ أفضلية اختيار العريس الناضج، الذي يزداد جماله ـ في عيونهن ـ بشعيراته البيضاء مع تقدم العمر، وتتألق جاذبيته أكثر لمكانته الاجتماعية المرموقة، وحسابه المصرفي وسيارته الفارهة، ولا فرق بعد ذلك إن كان يحمل نضجًا ثقافيًا أو قليلاً منه، وهذا لا يتوافر بطبيعة الحال في العريس الشاب.
«زواج الانتقادات»
ربما كان هذا العنوان خير تعبير عن ظاهرة هذا النوع من الزواج، وهو اسم لأحد مقالات الكاتبة الأميركية «روزا هايس»، والتي أحرزت أعلى نسبة مشاهدة وقراءة بأحد المواقع النسائية الإلكترونية، حيث تقول: (الزواج عن حب أمر رائع، وإن تحقق فعلى الجميع أن يتوقف عن السؤال عن عمر أحد الزوجين، أو ما شابه من أمور تصبح هامشية في ظل وجود الحب، فالفتاة العروس ـ الأصغر ـ لم تفكر برجل أكبر منها، ولم تتعمد وضعه في خططها الشخصية، لكنها وجدت نفسها غارقة في شراكة جميلة مع رجل يكبرها بعشرين عامًا أو أكثر).
وفي جزء آخر من المقال تقول: (نظرات الآخرين الصريحة وانتقاداتهم غير المباشرة، والتي تأتي في صورة ضربات تحت الحزام، تعد هي المصدر الأول للتنغيص بالنسبة للمرأة في ذلك الوضع، هناك أشخاص لا يخجلون، فهم على استعداد لسؤالك عن عدم التناسب في علاقتك مرة ومرتين رغم تمام الارتباط).