(يا مشالله بعده فايق... قلبه كبير وشكله لايق) أغنية جوليا بطرس الجديدة خفيفة ورقيقة في آن، وتنضمّ إلى مدرسة زياد الرحباني في الطرح واللهجة والحالة الموسيقية، كما في الكثير من الأغاني التي قدّمها زياد لفيروز ولطيفة مؤخراً (أمّن لي بيت مطرح منك ساكن).. وفي أغنية سلمى مصفي (ولعت كتير خلصت الكبريتي.. لا أنت الزير ولني نفرتيتي)... ومع فيروز، كانت التجربة محط جدل خصوصاً في أغنية (بتمرق علي امرق ما بتمرق ما تمرق مش فارقة معي)..
في سلسلة الأغاني العاطفية التي قدّمتها جوليا تبقى هذه الأغنية الأكثر تلاعباً على الكلام، بعد محاولتها تقديم لون مغاير في حفلاتها الأخيرة (على ما يبدو شكله ظريف) وإن كانت المقدمة الموسيقية التي زيّنها عازف المزمار، أوحت بأغنية أكثر التزاماً وأكثر جدية. إلا أن تلك الحالة كانت مناسبة لمرحلة ما، مرّت بها جوليا لم تأتِ ثمارها كما اشتهت.
فبعد أن دخلت في "وحل" السياسة اللبنانية وكانت طرفاً في الصراعات الداخلية التي عصفت بلبنان في مرحلة الانقسام الأكبر، وبعد أن كانت وجهتها واضحة في أعمالها القديمة، وهي الوقوف في وجه "الظلم" كما جاء في أغنياتها الشهيرة (يا حجار صرت الحلم.. هدّي بواب الظلم) وهذه العبارة كانت آنذاك مهداة إلى ثورة الحجارة في فلسطين، قدّمت العمل المرتبط سياسياً بمرحلة حرب تموز "أحبائي" الذي أثار جدلاً واسعاً حول انتقال جوليا إلى تلحين وغناء الخطب السياسية. لكنها سرعان ما عادت إلى العواطف من خلال هذه الأغنية...
"يا مشالله" تندرج ضمن الأغاني اللبنانية المحلية التي قد تصل بحلاوتها لا بمعانيها إلى المستمع العربي، خصوصاً في الجملة التي تبدأ فيها الأغنية وهي (بعده فايق) أي مستيقظ وهي كلمة غير مستخدمة في اللهجات العربية المختلفة.
إلا أنّ التوزيع الموسيقي المميّز والذي تعتمده جوليا في معظم إنتاجاتها الغنائية يبقي أعمالها في منأى عن الهبوط ويعزّز من دسامة اللحن لتبدو الأغنية متكاملة، وهذا ما يدلّ إلى حرصها على التنسيق والتدقيق في كل مواصفات الأغنية قبل نقلها إلى الجمهور من الناحية الفنية على الأقل...
التوزيع الذي تعتمده جوليا يبدو بسيطاً لكنه، فعلياً، معقد؛ وذلك في اختيار الآلات الموسيقية والتركيبة التي تعتمدها (هارمونيكا) وهي وجود التخت الشرقي كاملاً، وفي الوقت عينه وجود الحالة الكلاسيكية الغربية المتمثّلة في آلات النفخ النحاسية وأيضاً البيانو والكمنجات والتشيلو، وهي آلة تمنح رخامة وجهوراً لصوت الوتريات الرفيعة وتعدّل من خلال صوتها العريض.
كل هذه العوامل تجعل من أغاني جوليا حالة فنية خاصة، فيها الحرص الحقيقي على شرقيتها وفيها أيضاً المفاهيم الموسيقية الحديثة المتمثّلة بالأجواء الغربية.
قد تكون هذه الأغنية لـ "استمزاج" السوق بعد التغييرات الكبيرة التي طرأت على الشارع العربي، خصوصاً أن جوليا كان مرحّباً بها في الدول التي أسقطتها الثورات مثل تونس وليبيا وسوريا، والتي انطلقت شعوبها مطالبة برفع الظلم وبتحقيق العدالة الاجتماعية. وإن كانت أغاني جوليا تتحدّث عن هذه المطالب إنما باتجاه آخر هو الحالة العدائية التاريخية.
العام 2012 هو فرصة لإعادة النظر بكل المفاهيم القديمة فنياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً. حان الوقت للخروج من عالم الوهم إلى عالم الحقيقة والذي يبدو مرّاً أكثر ممّا صوّرته الأغاني، وأكثر من انفعالاتنا التي بنيناها على شعارات الوهم والفراغ.