لقاء حصري مع أرملة الدبلوماسي المغربي «العربي المساري»

يقولون إن وراء كل رجل عظيم امرأة، رحل الدبلوماسي والصحافي المغربي، وزير الإعلام الأسبق، محمد العربي المساري؛ مخلفاً حزناً بين أصدقائه وعائلته، وفراغاً كبيراً في الساحة الإعلامية بالمغرب، ترك سيرة طيبة في تعامله والتزامه اليومي، وكتابات تنير جيل الإعلاميين والطلبة التواقين للتعرف إلى تاريخ المغرب منذ فجر الاستقلال.. قامت «سيدتي» بزيارة أرملته، ثريا الشرقاوي، الجندي الخفي في حياته، والتي شاركته مشواره في رحلة زواج دامت ما يزيد على 60 عاماً، والتي رفضت التحدث لكل وسائل الإعلام عدا «سيدتي»؛ فإليكم هذا اللقاء.

* اسمحي لنا أن نعود بكِ إلى سنواتٍ طويلة مضت؛ لنسألكِ كيف تم لقاؤك الأول به؟
التقينا صدفةً في إحدى الحفلات، كان ذلك في الستينيات، وكنت في ذلك الوقت موظفة بوزارة الداخلية، أبديت إعجابي ببرنامجه الإذاعي الذي كان يقدمه، وشكرني على ذلك، ثم التقينا مرتين في مناسبات متفرقة؛ ليتقدم لي بعد ذلك بصفة رسمية.

الأيام الأخيرة
* كيف عشت معه الأيام الأخيرة؟ هل كان يشعر أن الموت يقترب منه؟
لا أبداً، كان متشبثاً بالحياة وحريصاً على العلاج، إلى أن اشتد عليه المرض في الأيام الأخيرة، وفي الأسبوعين الأخيرين قبل وفاته بدأ يرفض الدواء ويستسلم للتعب الجسدي، كان -رحمه الله- متفائلاً صبوراً، لكن المرض أنهك جسده، وقدر الله أن يغادرنا بهدوء كما عاش، وهو جالس بيننا وأنا أعطيه الدواء.


صدقة جارية
* ترك الفقيد مكتبة غنية بالمؤلفات، تم إهداؤها لأرشيف المغرب والمكتبة الوطنية؛ فهل كانت هذه وصيته؟
لا أبداً؛ بل أردنا نحن أن تكون صدقة جارية له بعد وفاته، ليستفيد منها طلاب العلم والمعرفة، وأضافت وهي تبكي: «لا تتصوروا مدى الأسى الذي شعرنا به حينما جاء مندوبو أرشيف المغرب وبدأوا بإفراغ مكتبته، أخذوا فقط الوثائق، وهي كثيرة ومتنوعة، كان شعورنا كأن العربي -رحمه الله- يرحل عنا من جديد، كلما أخذوا كتاباَ من كتبه تجدد حزننا عليه؛ فقد كانت تلك الوثائق والكتب غالية عليه جداً».

رسالة للقاء عائلي
* كيف كان يوزع اهتمامه بين عائلته، وعمله في السياسة والكتابة؟
كان -رحمه الله- شخصاً متوازناً ومنظماً يعشق عمله، وكنت حريصة على أن أوفر له جو الراحة التي ينشدها، كان يثق في تدبيري لأمور البيت وتربية الأبناء، كان يمتلك هيبة خاصة، وأبناؤه يحترمونه كثيراً، كان حنوناً ومتواجداً معنا باستمرار، مرة كتب له أبناؤه رسالة يطالبونه بلقاء عائلي خاص للفسحة؛ لأنه كان مشغولاً، ضحك لهذه الالتفاتة ولم يتردد في تنفيذ طلبهم.

* هل كان يحرص على قضاء العطل مع أسرته؟
كان دائماً معنا، كنا نسافر جميعاً ونمضي أوقاتاً جميلة، لكن أثناء انشغالاته كنت المسئولة الأولى والأخيرة مع الأبناء في كل صغيرة وكبيرة.

الحب أم الواجب
* ما الأمور التي كنتما تختلفان فيها؟
في البدايات كأي امرأة أريد أن أعيش ويكون لي بيت ملكي وخصوصياتي وحياتي الخاصة، بينما هو كان زاهداً في الحياة ولا يهتم لتفاصيل الحياة اليومية، وكان دائماً يأخذني إلى الأحياء الهامشية في المدينة ويقول لي: احمدي الله، نحن نناضل من أجل أن يعيش مثل هؤلاء بكرامة.


قيود الوزارة
* وماذا عن الفترة التي تولى فيها منصب «وزير» هل كان سعيداً؟
كانت فترة صعبة، عاش فيها الكثير من الضغوطات، كنت أحاول قدر الإمكان أن أوفر له كل سبل الراحة، لكنه أحياناً كان يشعر بالاختناق، وبعد أن غادر الوزارة، استعاد حريته أكثر وبدأ يكتب أكثر.

رجل لا ينسانا
* هل مهامه وانشغالاته كانت تجعله ينسى الاحتفال مثلاً بعيد ميلادك، أو عيد زواجكما؟
أبداً لا ينسى أي تاريخ، حتى أعياد ميلاد أبنائه، كنت سعيدة جداً بحياتي معه، رجل طيب ولبق ويحب المفاجآت الجميلة.


* ماذا كان يفعل في طقوسه اليومية؟
الكتابة والقراءة يومياً، كان يسهر في مكتبته إلى وقت متأخر، وكان يحلق ذقنه على صوت المذياع؛ شغوفاً بقراءة الأخبار والاستماع إليها، وكنت في الفترة الأخيرة أوجهه لكي يقرأ بعض المقالات دون أخرى، ويهتم بأخبار معينة بعد أن أطلع بنفسي على مواد الجرائد؛ حتى لا يزيد ما يقرأه من انفعاله، كنت أخشى أن تزيد الانفعالات من مرضه.


صانعة السعادة
* ما سر هذا التوافق بينكما؟
المحبة المتبادلة والاحترام، والحرص على راحته، كنت أعرف أنه رجل خلق للعلم والمعرفة؛ فكنت لا أشغل باله بتفاصيل البيت اليومية، أنا من تكفلت بشراء الأرض وبناء البيت، لم أشتكِ يوماً؛ لأني كنت أفعل ذلك من أجل إسعاد أسرتي.


* ماذا تقولين له الآن، إن كان يسمعك؟
تغالب دموعها وتقول: «اشتقنا إليك كثيراً، والحياة صعبة بغيابك».

تابعوا الحوار الكامل في "سيدتي" قريباً.