بدأت المسلسلات الرمضانية بطي صفحاتها الأخيرة وتوديع جمهور المشاهدين الذي استقبل بعضها بالقبول والإعجاب في حين أدار ظهره لبعضها الآخر , خاصة وأن البدائل جاهزة لديه دائماً.
وفي متابعتنا لدراما شهر رمضان لهذ العام يمكن تسجيل هذه الملاحظات الفنية:
• الحلقات الأخيرة من أي مسلسل هي مثل العسل في قعر القاروة أو هكذا يجب أن تكون. لكن بعض مسلسلات هذا العام بدتْ مرتبكة وهي تحاول لملمة أحداثها وإيجاد حلولٍ مقنعةٍ للمتاهات التي دخل فيها المشاهد وصار ينتظر النتيجة. ولعل مسلسل "نيللي وشريهان " للمؤلف كريم يوسف والمخرج أحمد الجندي هو نموذج لهذه الحالة خاصة وأن القائمين عليه قد استمروا في تصوير حلقاته الأخيرة فيما كان يعرض على الشاشة . فالمسلسسل من النوع الكوميدي كما يبدو ويتناول قصة ابنتي عم تبحثان عن ميراث جدهما من خلال ألغاز وأحجيات تركها لهما في صفحات مجلة ميكي الخاصة بالأطفال ولم يخرج المسلسل كثيراً عن مستوى قصص ميكي نفسها . فالأختان ايمي ودنيا سمير غانم تبدوان وكأنهما تتحركان ضمن سيناريو مفتوح وفضفاض يترك لهما حرية استعراض قدرتهما على الإستظراف كأختين قبل أن تكونا بطلتين للمسلسل وحتى أن المشاهد يلمس في بعض المواقف حواراً يبدو وكأنه ارتجالياً ووليد لحظته بين أبطال المسلسل إضافة إلى الطريقة غير المقبولة في السخرية من الطبقات الفقيرة وسَكنة الأحياء الشعبية ورجال الشرطة وغيرهم .وبإختصار فان هذا المسلسل كان مثل كرة الخيوط "المشربكة" (المتداخلة) التي لا يعرف رأس الخيط فيها .
• حاولتْ كثير من المسلسلات اللبنانية والمصرية وحتى السورية تقليد المسلسلا ت التركية واختيار سيناريوهات تعتمد على قصص الحب الرومانسية التي فيها جرعة كبيرة من جنون الحب والخيانة والشوق والفراق مع اختيار مدروس لأبطال يتسمون بالوسامة والأناقة المترفة والملامح الجميلة ...وكأن المحرومين من حظ الوسامة والجمال لا يعيشون قصص حبٍ جميلةٍ .
• في دراما رمضان لهذا العام نتوقف عند مسلسلين يعتمدان على رواية مكتوبة هما : "أفراح القبة" للروائي الكبير "نجيب محفوظ" الحائزعلى جائزة نوبل للآداب وسيناريو وحوار نشوى زايد وإخراج محمد ياسين وبطولة منى زكي وجمال سليمان وسيد رجب . والثاني " ساق البامبو" وهو رواية للكاتب سعود السنعوسي الحاصل على جائزة بوكر للرواية لعام 2013 وسيناريو وحوار "رامي عبد الرازق" وإخراج البحريني "محمد القفاص" وتمثيل" سعاد عبد الله" و"مرام" و"فرح الصراف". وفيما نجح المسلسل الأول في شد انتباه المشاهد عبر إيقاعه السريع وقدرته على كشف عالم الفن وكواليسه والتي عادة ما تستهوي المشاهد وتُرضي فضوله، فإن المسلسل الثاني "ساق البامبو" قد وقع في دوامة الرتابة والتكرار والملل بسبب الإيقاع البطيء واقتصار أغلب المشاهد على بيت "عائلة الطاروف" مع مشاهد محدودة في المقاهي وظل يدور حول نفس الحكاية ونفس الوجوه ونفس الأماكن التي كانت تتكرر في كل حلقة مما حول المسلسل إلى ما يشبه العمل المسرحي .ودون شك فإن فكرة المسلسل عميقة وتتطرق إلى قضايا مهمة مثل هموم طبقة "البدون" المحرومين من حقوق المواطنة ومدى قبول المجتمع الخليجي للآخر المختلف والصراع الطبقي وغيرها .ورغم نجاح أغلب الممثلين في أداء أدوارهم بإتقان وحرفية وخاصة الممثلتان سعاد عبد الله وشجون الهاجري، إلا أن المسلسل كان بحاجة إلى دفق أكبر من الحيوية والشد والأحداث السريعة المتلاحقة . فالعمل الدرامي يحتاج إلى أكثر من روايةٍ ناجحة ..كي ينجح .
• نجح المسلسل الإماراتي " مكان في القلب" في تصوير الإمارات في حقبة نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات وكان أميناً في نقل التغيرات الإجتماعية والإقتصادية الهائلة التي حدثت في حياة الناس وكيفية تعاملهم معها عبر حكايات طريفة مثيرة للإهتمام. المسلسل من تأليف سلطان النيادي وإخراج باسم شعبو وتمثيل "جابر نغموش وصوغة و نشوى مصطفى.
• "كل ما زاد عن حده انقلب إلى ضده" مقولة نضعها أمام النجمة نيللي كريم التي نجحتْ في السنوات السابقة في تقديم الأدوار الصعبة والمركبة في مسلسل "ذات" و"سجن النسا" و" تحت السيطرة ". ولكن عملها الأخير " سقوط حر" قد سقط في دوامة السوداوية والملل والرتابة والمواعظ المباشرة والأحداث الهامشية التي تطيل من عدد الحلقات ولكنها تقّصر من صبر المشاهد. المسلسل من تأليف مريم نعوم وإخراج التونسي شوقي الماجري وتمثيل نيللي كريم ومحمد فراج وصفاء الطوخي.
• جميل أن تبدو أسنان الممثلين نظيفة وبيضاء ولامعة باستخدام تقنية تبييض الأسنان ولكن لا يعقل أن تظهر كل الشخصيات بهذه الصورة : الغني والفقير والريفي والبدوي والشاعر الذي عاش قبل مئات السنين .ففي بعض المسلسلات يبدو وكأن كل الممثلين قد زاروا نفس طبيب الأسنان وخضعوا لنفس العلاج.
• على غرار المسلسلات التركية بدتْ دراما هذا العام ضاجة بالديكورات المعاصرة الأنيقة التي تقترب أحياناً من الفانتازيا . ولكن فات القائمون على هذه المسلسلات ضرورة تنوع الديكور باختلاف شخصية بطل العمل ومستواه الثقافي والاجتماعي ودوره في العمل الدرامي وذوقه الخاص. لذا جاء الديكور في أغلب الأعمال حاملاً نفس البصمة لوحات فنية وأرائك بيضاء وباستيلية وإضاءة معاصرة وزهور يانعة ..وكأن البيوت العربية قد تحولت على حين غرة إلى بيوت مفرطة في المعاصرة..والسؤال هو : أين دور الديكور في رسم الشخصيات المختلفة لهذه الأعمال؟
• مسلسل " فوق مستوى الشبهات" تأليف عبد الله حسن" واخراج هاني خليفة وبطولة يسرا وشيرين رضا وسيد رجب يذهب بعيداً في أحداثه الغريبة عن مجتمعنا . فالدكتورة رحمة ( يسرا) امرأة معروفة ووجه اجتماعي لكنها تعاني من خلل نفسي يجعلها تنتقم ممن حولها ..ورغم أن مثل هذه الشخصية غير السوية موجودة في مجتمعاتنا ولكن يبدو أن كاتب السيناريو قد زاد من الجرعة ودخل في دائرة المبالغة والتضخيم . فامرأة شريرة ووحيدة في مجتمعنا لا يمكن أن تتعامل مع عصابات ومجرمين عتاة وقتلة محترفين بل وتتفوق عليهم وتتحداهم وتدخل معهم في معارك شرسة .ليس للشر حدود بالتأكيد ولكن ثمة حدودٍ لقدرة المرأة على ترجمة الشر في داخلها خاصة في بلداننا . .فقد ينجح هذا العمل في مجتمعاتٍ أخرى ولكنه يكون غير منطقي عندما يحاول أن يخرج من رحم مجتمعنا .
• وقع مسلسل "الخانكة" في مغالطات كثيرة . فالبناء الدرامي فيه يعتمد على حكاية الصبي المراهق الذي يهاجم معلمته ( غادة عبد الرازق) ويحاول الإعتداء عليها جنسياً ثم يتدخل والده الثري ويستخدم نفوذه كي يبرئ إبنه ويحول المعلمة الضحية إلى مجرمة .ولكن فات المؤلف أن الصبي المراهق كان يتعاطى المخدرات وأن أول شيء يجب أن يفعله المحقق هو تحويله إلى الطبيب من أجل فحص الكحول والمخدرات وعندما يتأكد هذا الأمر تنتفي عندها الحاجة إلى كل هذه الحلقات الضاجة بالمغامرات غير المقنعة وخاصة الطريقة الساذجة التي استخدمتها البطلة وصديقتها للهروب من السجن . المسلسل من تأليف محمود دسوقي واخراج محمد جمعة وتمثيل غادة عبد الرازق وماجد المصري وفتحي عبد الوهاب .
في دراما رمضان أعمال أحبها الجمهور وأخرى أدار لها ظهره
- مشاهير العرب
- سيدتي - سميرة التميمي
- 05 يوليو 2016