بعد مرور أكثر من ثلث قرن على عرضها على خشبة المسرح، تنتقل مسرحية "فيلم أميركي طويل" للمبدع زياد الرحباني إلى الشاشة الكبيرة، ابتداء من 20 تشرين أوّل، في خطوة تهدف إلى إنقاذ العمل من غياهب النسيان. لم يختَر القيّمون على الفيلم هذا الشهر بالذات من قبيل الصدفة، فالمسرحيّة ذاتها "جرت أحداثها في شهر تشرين أوّل 1980، أو تشرين أوّل 1979، أو تشرين أوّل 1978، حيث لم يتغيّر إجمالا الوضع السياسي النفسي العام".
بهذه التعابير أراد زياد أن يستهلّ العمل، قد يكون استشرف منذ ذاك الحين أنّ البلد سيراوح في تلك "العصفورية" طوال تلك المدّة.
العرض الأوّل، أو ما يُعرف بالـ Avant première، وهو عرض مخصص لأهل الفن والصحافة كان يوم الإثنين الماضي في 10 تشرين الأوّل، تلاه عرض استثنائيّ أوّل أمس الخميس بتنظيم حصري من "حركة الشعب" قبل أن يعود الفيلم رسمياً إلى كلّ الصالات اللبنانية في الـ20 من هذا الشهر.
إذاً، تهافت اللبنانيون لحجز أماكنهم، ففاق عدد التذاكر المحجوزة عددَ المقاعد المتاحة في الصالات المخصصة، ومن لم يحظَ بكرسيّ اتخذ من درج الصالة مجلِساً له.
تبدأ الموسيقى التمهيدية للعرض فتتوقف الأحاديث الجانبية، وتشخص العيون إلى الشاشة لاكتشاف شخصيات عايَشَنا صوتُها منذ الطفولة.
خلال المتابعة، ترتفع أصوات الحضور لتغني مع جوزيف صقر رفيق درب زياد ولتسابق الأبطال في أداء أدوارهم، وبرغم أن المشاهدين حَفَظوا المسرحية عن ظهر قلب إلا أنّ القاعة تضجّ بضحكاتهم!
الفيلم هذه المرّة أوضح من سالفه "بالنسبة لبكرا شو"، من حيث الصورة؛ وقد يعود ذلك إلى مكان التصوير في المصحّ العقلي المضيء وملابس المرضى والممرضين البيضاء، على عكس الصورة القاتمة في حانة المسرحية الأولى. وقد يكون المأخذ اليتيم على العمل هو اختزال بعض الجمل الفكاهية التي كانت قد علقت في أذهان اللبنانيين ففوجئوا بإلغائها من السيناريو.
يمتدّ الفيلم لمدّة مئة دقيقة، ينقلنا خلالها أبطال العمل "المجانين" إلى الماضي الحاضر بأداء تمثيليّ هائل، إذ تدور الأحداث داخل مستشفى للأمراض العصبية، وعلى وقع الطيران المدني المتواصل، وتروي قصة تسعة لبنانيين يعانون من الاضطرابات الذهنية بسبب الحرب والأحداث الأمنية التي عصفت بالبلد في تلك الحقبة. وتمثّل كل شخصية فئة من فئات المجتمع اللبناني، أبرزها رشيد (زياد الرحباني) الرجل "المشكلجي" الرافض لواقعه، وقاسم اللبناني المذعور الذي يعاني رهاب الميليشات والفلتان الأمني، وعبد الأمير الذي يعمل لإصدار كتاب "يفضح كل الوجوه عالمكشوف" إلا أنّه لا زال يبحث عن الأجوبة، وأبو ليلى (جوزيف صقر) مدمن المخدرات والمستهتر، حاله حال زميله عمر، وإدوار الرجل المتعصّب الذي لا يكفّ عن تكرار عبارات طائفية مقيتة... إلى جانب شخصيات أخرى تحاكي واقعاً لبنانياً لم يتغيّر.
في أجواء من الفلسفة والعبثية، يقول المرضى الحقيقة كاملة دون أيّ مواربة، وينتهي بهم الأمر إلى نوبة عصبية فيحاول الفريق الطبي تهدئة روعهم بالأبر والمسكّنات بعد فشل التحاور معهم، إلا أنّ الممرضين أنفسهم تصيبهم حمّى الطائفية ويختلفون بين بعضهم في السياسة حدّ التضارب، في مشهد تراجيدي ـ كوميدي يعكس حال اللبنانيين بين الأمس واليوم، بل ينسحب على المنطقة العربية برمّتها.
في الآلية، وعلى غرار "بالنسبة لبكرا شو"، أصبحت مسرحية "فيلم أميركي طويل" فيلماً بفضل المخرجة الراحلة ليال الرحباني شقيقة زياد التي أقدمت على تصوير عروض المسرحية بكاميرتها الخاصّة. وقد تمّ اقتطاف المشاهد من أكثر من عرض، وتمّ تركيبها خلال عملية المونتاج، ما يبرر تبدّل الملابس في المشهد الواحد. جُهّز الصوت في ألمانيا بإشراف رالف كسلر، أحد أهم الاختصاصيين والخبراء في هذا المجال ليبصر الفيلم النور بعد أن ولّفت مقاطعه شركة M.medias وحوّلته إلى شريط سينمائي.
بالعودة إلى الأحداث، وبعد أن فقد الأطباء الأمل من شفاء مرضاهم، لجؤوا إلى الصدمات الكهربائية التي تُقولِب الشخصيات وتنمّطهم، لينتهي بهم الأمر إلى ترديد شعارات معلّبة و"كليشيات" مثل "كلنا إخوة" و "زعما عم يستغلوا هالشعب والشعب معتر" و"طول عمرنا عايشين مع بعض"، قبل أن تُسدل ستارة الفيلم ـ المسرحية بصرخة مدوّية يطلقها رشيد في محاولة منه لتغليب عقله الباطني الصادق على ما يحاول المجتمع تلقيمه إياه من تكاذب ورياء، وكأنّه يصرخ في وجه الطبقة السياسية والاجتماعيّة المزيّفة السابقة والممتدة حتى "تشرين الأوّل عام 2016".
استعادة "بالنسبة لبكرا شو" لزياد الرحباني: إنعاش للذاكرة أم تشويه لها؟
ابعوا أيضاً:
أخبار المشاهير على مواقع التواصل الإجتماعي عبر صفحة مشاهير أونلاين
ولمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا أنستغرام سيدتي
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر تويتر "سيدتي فن"
