الواقع والخيال، والمناطق القاتلة التي تخلق العديد من الاحتمالات التي لا يمكن التنبؤ بها، مناطق خطرة وأخرى قد تكون ملونة، وبالحالتين هناك مغامرات كبيرة، ورهانات لا تُحصى.
"عطيل يعود" من أهم أعمال الكاتب والفيلسوف اليوناني "نيكوس كازانتاكيس" وأكثرها جدلاً، والتي قدمها المخرج الأردني حسين نافع، بأداء كل من "محمد الإبراهيمي، إسحق إلياس، إبراهيم النوابنة ونور عطا الله" بآخر أيام فعاليات مهرجان الأردن المسرحي بدورته الثالثة والعشرين، على خشبة المسرح الرئيسي بالمركز الثقافي الملكي، في العاصمة الأردنية عمان.
ها هو عطيل يعود..
يعرض العمل الذي كتبه "كازانتاكيس"، قصة فرقة مسرحية تبحث عن عمل جديد لأداءه على الخشبة. وهي مكونة من ممثل قروي صعب المراس وكثير الغيرة يجسد شخصيته "اسحق الياس"، وزوجة الممثل القروي التي تحبه لكنها تحلم بأداء دور الخائنة بإحدى المسرحيات والتي جسدت شخصيتها "نور عطا الله"، وفنان شاب يبحث عن النجومية وجسده "إبراهيم النوابنة"، وأخيراً مخرج العمل "محمد الإبراهيمي".
تأتي للمخرج فكرة مجنونة لكتابة عمله الجديد، وهي أن يحول الواقع إلى مسرح وعمل فني، فيستغل غيرة الممثل القروي على زوجته حتى يخلق منه عملاً، وذلك عبر صنع مواقف مفتعلة تجعل الممثل يقتنع بأن زوجته تخونه، ليكون ذلك محاكاة لقصة "مأساة عطيل" لشكسبير، ويتمادى بمزج الخيال بالواقع، حتى الوصول إلى نقطة لا يستطيع الرجوع عنها حين يقرر الممثل تقمص شخصية عطيل وقتل زوجته بالحقيقة.
العمل من الداخل..
حاول العمل تقديم حالتين متوازيتين يتداخلان من خلال تقاطع الوهم أو الخيال المسرحي بالواقع، وكان المبرر في ذلك التداخل هو شخصية "المخرج"، التي كانت الحل الإخراجي الأمثل لتطبيق هذه الأمر.
غير أن المخرج نافع لم يكن موفقاً بالفصل والربط بين هذين العالمين، فاختلطا منذ بداية العمل بشكل غير واضح، من خلال جميع عناصر العرض من إضاءة وديكور ونص وإخراج، ما أدخل الجمهور بحالة من الحيرة ببعض الأحيان، للإمساك بخيوط الإشتباك أو الإنتقال بين الحالتين، اللتين ضاعتاه خلال أحداث العمل، إلا أن أداء الممثلين كان العامل الوحيد الذي استطاع الفصل بينهما من حين لآخر. كما خلقت محاولات المخرج المستميتة لتثبيت فكرة العمل من خلال الحوارات الكثيرة، حالة من الثرثرة المسرحية، وتكرار بعض الحوارات والأفكار وأحياناً المشاهد، ما أدى إلى بعض الملل أحياناً وفقدان إيقاع العرض.
أما بالحديث عن إيقاع العرض، فقد مرّ بعدة مراحل متفاوتة، بين الإرتفاع والهبوط، فمنذ بداية العمل، بدأ الإيقاع بطيئاً من خلال المشهد الذي ماطل فريق العمل بأدائه من خلال التعريف على الشخصيات، وتوضيح تاريخهم وأدوارهم، فبدأ بتمارين الصوت التي يؤديها الممثلين عادة قبل الـ"بروفة"، وأخذت وقتاً طويلاً كمقدمة للعرض، حاول فيها الفريق أن يطلب الإبتسامة والضحك من خلال بعض المحاولات الكوميدية لهم، وبعد ذلك الإنتقال إلى ما الدور الذي يريده كل واحد من الشخصيات، ليكشف منذ بالبداية من هم شخصيات العمل، سارقاً من المشاهد أي فرصة للتعرف إليهم واكتشاف خلفياتهم وتاريخهم.
العمل أداءاً..
ومما لا شك فيه بأن الممثلين كان لهم الفضل الأكبر بالرفع من سوية العرض، فاعتمد المخرج على ممثلين لديهم القدرة العالية على التحكم بأدواتهم الفنية، وخلق الإنفعالات المناسبة، بالرغم من وجود العديد من الملاحظات التي يستطيع المخرج التعامل معها والسيطرة عليها ولكنه لم يفعل.
لا بدّ من الحديث عن اسحق إلياس..
جسدّ الفنان اسحق الياس شخصيتين في العمل، هما "الممثل اسحق" و"عطيل"، اللتين كانتا نقطة التقاطع بين الخيال المسرحي وبين الواقع، وأبدع في أداءه للشخصيتين، غير أن مبالغته في تقديم الممثل القروي شديد الغيرة وكثير العصبية، أدت به للخروج عن خط الشخصية الرئيسي ليتحول اشتغاله بها خارجياً فقط ببعض الأحيان، خاصة في بداية العمل، وباللحظات التي كانت المشاهد فيها تتطلب بعداً كوميدياً، وكادت الشخصية أن تذهب به الى مكان من "التهريج"، إلا أن حرفية الفنان وخبرته تمكنت كل مرة من إعادة الشخصية إلى مكانها الطبيعي.
ويحسب كثيراً لإسحق بأنه استطاع أن ينتقل بين القروي و"عطيل" بمرونة وحرفية كبيرتين، من خلال مشاهد العمل على "بروفات" العرض المتخيل داخل العرض الحقيقي، وبأنه استطاع تجسيد "عطيل" اعتماداً على شخصية القروي، فكانتا مشتبكتين ومنفصلتين في الوقت نفسه، ولم يضطر إلى صنع شخصية مختلفة ولا تمتد من الشخصية الأصلية.
لكن يُحسب عليه بأنه حين تقاطعت حالتي العمل الأساسيتين في ذروة الصراع، وتقمص القروي شخصية "عطيل"، وقرر قتل زوجته "نور"، جسدّ اسحق شخصية ثالثة، مختلفة تماماً عن الشخصيتين الرئيسيتين له بالعرض، فنقل المشاهد معه إلى حالة جديدة، خارج العمل، وكأنه عمل آخر وشخصية أخرى، لا تمت بالعرض "عطيل يعود" بصلة، لكن ذلك لم يقلل من الأداء الجميل والإحترافي الذي قدمه اسحق خلال العمل.
العمل "سينوغرافياً"..
لم يكن مصمم الإضاءة موفقاً بتقديم حالة تخدم العرض بالشكل المطلوب، ولم تستطع أن تحمل الفكرة الأساسية أو أن تجسدها، كما أنها لم تساعد الممثلين في رسم أدائهم، فاقتقرت إلى الدهشة البصرية، وكانت طوال مدة العرض بحالة واحدة، بدون الإنتقال إلى حالات أخرى بالرغم من أن العمل بُعتبر ثرياً بالحالات والإنفعالات والخيال.
وكذلك الأمر مع الديكور، فلم تعطِ القطع التي تم استخدامها بالعرض إيحاءاً بوجود الممثلين على خشبة مسرح متخيلة، كما لم يستطع الفصل بين المناطق المختلفة التي كان يؤدي الممثلين فيها أدائهم، كما لم تخدم كثيراً أداء الممثلين أنفسهم.
"عطيل يعود" من أهم أعمال الكاتب والفيلسوف اليوناني "نيكوس كازانتاكيس" وأكثرها جدلاً، والتي قدمها المخرج الأردني حسين نافع، بأداء كل من "محمد الإبراهيمي، إسحق إلياس، إبراهيم النوابنة ونور عطا الله" بآخر أيام فعاليات مهرجان الأردن المسرحي بدورته الثالثة والعشرين، على خشبة المسرح الرئيسي بالمركز الثقافي الملكي، في العاصمة الأردنية عمان.
ها هو عطيل يعود..
يعرض العمل الذي كتبه "كازانتاكيس"، قصة فرقة مسرحية تبحث عن عمل جديد لأداءه على الخشبة. وهي مكونة من ممثل قروي صعب المراس وكثير الغيرة يجسد شخصيته "اسحق الياس"، وزوجة الممثل القروي التي تحبه لكنها تحلم بأداء دور الخائنة بإحدى المسرحيات والتي جسدت شخصيتها "نور عطا الله"، وفنان شاب يبحث عن النجومية وجسده "إبراهيم النوابنة"، وأخيراً مخرج العمل "محمد الإبراهيمي".
تأتي للمخرج فكرة مجنونة لكتابة عمله الجديد، وهي أن يحول الواقع إلى مسرح وعمل فني، فيستغل غيرة الممثل القروي على زوجته حتى يخلق منه عملاً، وذلك عبر صنع مواقف مفتعلة تجعل الممثل يقتنع بأن زوجته تخونه، ليكون ذلك محاكاة لقصة "مأساة عطيل" لشكسبير، ويتمادى بمزج الخيال بالواقع، حتى الوصول إلى نقطة لا يستطيع الرجوع عنها حين يقرر الممثل تقمص شخصية عطيل وقتل زوجته بالحقيقة.
العمل من الداخل..
حاول العمل تقديم حالتين متوازيتين يتداخلان من خلال تقاطع الوهم أو الخيال المسرحي بالواقع، وكان المبرر في ذلك التداخل هو شخصية "المخرج"، التي كانت الحل الإخراجي الأمثل لتطبيق هذه الأمر.
غير أن المخرج نافع لم يكن موفقاً بالفصل والربط بين هذين العالمين، فاختلطا منذ بداية العمل بشكل غير واضح، من خلال جميع عناصر العرض من إضاءة وديكور ونص وإخراج، ما أدخل الجمهور بحالة من الحيرة ببعض الأحيان، للإمساك بخيوط الإشتباك أو الإنتقال بين الحالتين، اللتين ضاعتاه خلال أحداث العمل، إلا أن أداء الممثلين كان العامل الوحيد الذي استطاع الفصل بينهما من حين لآخر. كما خلقت محاولات المخرج المستميتة لتثبيت فكرة العمل من خلال الحوارات الكثيرة، حالة من الثرثرة المسرحية، وتكرار بعض الحوارات والأفكار وأحياناً المشاهد، ما أدى إلى بعض الملل أحياناً وفقدان إيقاع العرض.
أما بالحديث عن إيقاع العرض، فقد مرّ بعدة مراحل متفاوتة، بين الإرتفاع والهبوط، فمنذ بداية العمل، بدأ الإيقاع بطيئاً من خلال المشهد الذي ماطل فريق العمل بأدائه من خلال التعريف على الشخصيات، وتوضيح تاريخهم وأدوارهم، فبدأ بتمارين الصوت التي يؤديها الممثلين عادة قبل الـ"بروفة"، وأخذت وقتاً طويلاً كمقدمة للعرض، حاول فيها الفريق أن يطلب الإبتسامة والضحك من خلال بعض المحاولات الكوميدية لهم، وبعد ذلك الإنتقال إلى ما الدور الذي يريده كل واحد من الشخصيات، ليكشف منذ بالبداية من هم شخصيات العمل، سارقاً من المشاهد أي فرصة للتعرف إليهم واكتشاف خلفياتهم وتاريخهم.
العمل أداءاً..
ومما لا شك فيه بأن الممثلين كان لهم الفضل الأكبر بالرفع من سوية العرض، فاعتمد المخرج على ممثلين لديهم القدرة العالية على التحكم بأدواتهم الفنية، وخلق الإنفعالات المناسبة، بالرغم من وجود العديد من الملاحظات التي يستطيع المخرج التعامل معها والسيطرة عليها ولكنه لم يفعل.
لا بدّ من الحديث عن اسحق إلياس..
جسدّ الفنان اسحق الياس شخصيتين في العمل، هما "الممثل اسحق" و"عطيل"، اللتين كانتا نقطة التقاطع بين الخيال المسرحي وبين الواقع، وأبدع في أداءه للشخصيتين، غير أن مبالغته في تقديم الممثل القروي شديد الغيرة وكثير العصبية، أدت به للخروج عن خط الشخصية الرئيسي ليتحول اشتغاله بها خارجياً فقط ببعض الأحيان، خاصة في بداية العمل، وباللحظات التي كانت المشاهد فيها تتطلب بعداً كوميدياً، وكادت الشخصية أن تذهب به الى مكان من "التهريج"، إلا أن حرفية الفنان وخبرته تمكنت كل مرة من إعادة الشخصية إلى مكانها الطبيعي.
ويحسب كثيراً لإسحق بأنه استطاع أن ينتقل بين القروي و"عطيل" بمرونة وحرفية كبيرتين، من خلال مشاهد العمل على "بروفات" العرض المتخيل داخل العرض الحقيقي، وبأنه استطاع تجسيد "عطيل" اعتماداً على شخصية القروي، فكانتا مشتبكتين ومنفصلتين في الوقت نفسه، ولم يضطر إلى صنع شخصية مختلفة ولا تمتد من الشخصية الأصلية.
لكن يُحسب عليه بأنه حين تقاطعت حالتي العمل الأساسيتين في ذروة الصراع، وتقمص القروي شخصية "عطيل"، وقرر قتل زوجته "نور"، جسدّ اسحق شخصية ثالثة، مختلفة تماماً عن الشخصيتين الرئيسيتين له بالعرض، فنقل المشاهد معه إلى حالة جديدة، خارج العمل، وكأنه عمل آخر وشخصية أخرى، لا تمت بالعرض "عطيل يعود" بصلة، لكن ذلك لم يقلل من الأداء الجميل والإحترافي الذي قدمه اسحق خلال العمل.
العمل "سينوغرافياً"..
لم يكن مصمم الإضاءة موفقاً بتقديم حالة تخدم العرض بالشكل المطلوب، ولم تستطع أن تحمل الفكرة الأساسية أو أن تجسدها، كما أنها لم تساعد الممثلين في رسم أدائهم، فاقتقرت إلى الدهشة البصرية، وكانت طوال مدة العرض بحالة واحدة، بدون الإنتقال إلى حالات أخرى بالرغم من أن العمل بُعتبر ثرياً بالحالات والإنفعالات والخيال.
وكذلك الأمر مع الديكور، فلم تعطِ القطع التي تم استخدامها بالعرض إيحاءاً بوجود الممثلين على خشبة مسرح متخيلة، كما لم يستطع الفصل بين المناطق المختلفة التي كان يؤدي الممثلين فيها أدائهم، كما لم تخدم كثيراً أداء الممثلين أنفسهم.