في لحظة إحباط ويأس قرّر الشّاب الأمريكي «آندي ساندس» وضع حدّ لحياته، كان في أوج شبابه، لم يتجاوز الواحدة والعشرين من العمر وكان يعاني من حالة اكتئاب حادّة، وضع فوهة بندقيّته أسفل ذقنه وضغط على الزناد وأطلق النّار على نفسه، كانت لحظة مأساويّة طارت فيها أجزاء وجهه أشلاء متناثرة، واختلط دمه بلحمه وعظامه، ولم يعد له أنف أو فكّان، ولم تبق له شفاه أو أسنان أو وجنتان، ولكنّه لم يمت فقد كانت محاولة انتحار فاشلة..
وعندما وصل إليه رجال الشّرطة، وكان بين الحياة والموت، أخذ يتوسّل إليهم قائلاً :«أرجوكم، أرجوكم لا تتركوني أموت، لا أريد أن أموت»، لقد أدرك في الحال أنه ارتكب جرمًا فظيعًا في حقّ نفسه.
ترميم وترقيع
تمّ نقله بسرعة إلى المستشفى وحاول الأطبّاء إنقاذه وعلاجه وقام بعد ذلك الدكتور سمير ماديني بالمركز الطبّي «مايو كلينيك» بمدينة «روتشيسر» بولاية «منوسوتا» بإعادة «بناء» الفك الأعلى والفك الأسفل باستعمال عظام وعضلة وجلد فخذه ورجله، لقد أجروا له 8 عمليّات جراحيّة على امتداد أربعة أشهر ونصف الشّهر، ثم غادره وعاد إلى بيت أهله واعتكف على نفسه ولم يعد يرغب في الاجتماع بالنّاس، ويتفادى أيّ لقاء مع الأطفال لما لاحظه بأنّ وجهه المشوّه كان يثير فيهم الخوف والفزع.
عودة الأمل
بعد ستّة أعوام أي عام 2012 أعاد الفريق الطبّي الذّي عالجه ب «مايو كلينيك» الاتّصال به واقترحوا عليه زرع وجه جديد له وقد أصبحت العمليّة ممكنة بعد أن تمّ إنشاء مركز متخصّص في زراعة الأعضاء ب «مايو كلينيك» بفضل تبرع رجل الأعمال السعودي الشاب طارق عبيد عام 2011 بـ10 ملايين دولار، وقد أطلق على المركز اسم والديه) مركز عصام ودلال عبيد لعمليات زرع الأعضاء.)
وبعد موافقة «آندي ساندس» مضت ثلاث سنوات أخرى بقي خلالها كامل الفريق الطبي يتمرّن على تقنيّات زراعة الوجه على جثث الموتى؛ استعدادًا لهذه العمليّة الدقيقة والمعقّدة، وبعد ذلك أصبح الفريق الطبّي بقيادة الدكتور سمير ماديني جاهزًا وبدأ البحث عن متبرّع بوجه تكون به أوجه شبه بالمتلقي لضمان نجاح العمليّة.
مصادفة عجيبة
وجاء الخبر بتوافر وجه لمتبرّع، و من المصادفات العجيبة أنّه شاب واسمه «كلان روس» وعمره21 عامًا، وهو أيضًا وضع حدًا لحياته برصاصة أطلقها على نفسه، وكانت أوجه الشّبه كبيرة من حيث لون الشعر والبشرة والمظهر العام للوجه بين المتبرّع الميّت والمتلقّي الحي.
وكان لا بد من إقناع «لي لي» أرملة الهالك، وهي في التاسعة عشرة من العمر، وحامل في شهرها الثامن بالتبرّع بوجه زوجها المتوفّى، وبعد تردّد قبلت وأعطت موافقتها.
56 ساعة
تواصل نزع الوجه والعظام والعضلات والجلد والأعصاب من المتبرّع 24 ساعة ودامت عمليّة الزّرع 32 ساعة أي أنّ العمليّة برمّتها استمرّت 56 ساعة بأكملها وشارك فيها 60 شخصًا.
كانت عملية زرع وجه جديد كامل عمليّة معقدة جدًا لتمكين الشاب من فتح العينين وترميشها وفتح الفم بصفة عاديّة، والتنفّس والشمّ، وبقي ثلاثة أسابيع خاضعًا لمتابعة دقيقة من كامل الفريق الطبي.
وجاء يوم قدم له رئيس الفريق الدكتور سمير ماديني مرآة ليكتشف بها وجهه الجديد، وكانت لحظات مؤثّرة فقد أحسّ، وقد بلغ 31 عامًا وبعد عشرة أعوام من تشوّه وجهه، كأنّه ولد من جديد وقال إن النتيجة مبهرة وإنها أكثر مما كان يتوقعه. لقد أصبح له وجه جديد كامل بأنف وخدين وحتى الأسنان والفم والفكين والذقن.
أمل للإنسانية
أصبح «آندي ساندس» اليوم بعد ثلاثة أشهر من عملية الزرع لوجه كامل بإمكانه أن يتنفس بلا صعوبة، وأن يأكل وأن يحرّك فكّيه وأن يتكلّم بفم جديد.
وقد تفاعل النّاس في أميركا والعالم كلّه مع هذا النّجاح الباهر للجراحة والطب، معبّرين عبر وسائل الاتّصال الاجتماعي عن إعجابهم بمهارة وبراعة الدكتور سمير ماديني وكامل الفريق العامل معه، مؤكّدين أنه مع تقدم الطب أصبح كل شيء ممكنًا، إنه أمل جديد للإنسانية وخاصة لضحايا الحروق والحوادث.
لمشاهدة الفيديو اضغطوا على الرابط : قصة نجاح عمليّة زرع وجه جديد