هناك عادات مجتمعيَّة أصيلة لا يمكن أن تتغير وتُصبح موروثاً تقيليداً بين الأسر، ومنها عادة «الشعبنة»، التي اشتهرت بها منطقة الحجاز لتوديع أيام الفطر واستقبال شهر رمضان الكريم، ودرجت العوائل على اقامتها بشكل سنوي لتختلف طرق الاحتفاء بها من عائلة لأخرى ومن جيل إلى جيل.
الشعبنة فلكلور اجتماعي
بداية تقول لـ«سيدتي» استشاريَّة الطب النفسي والإدمان ورئيسة قسم النساء واليافعين بمستشفى الأمل بجدَّة، الدكتورة فاطمة كعكي، أنَّ «الشعبنة» عادة اجتماعيَّة عرفت بمنطقة الحجاز قديماً، وتعدُّ من الموروث الاجتماعي لأبناء تلك المناطق، الذين حافظوا عليها، وهي عبارة عن اجتماع جميع أفراد العائلة، كبيرة وصغيرة، بعد صلاة العشاء بعمل وليمة عشاء وتوزيع الصدقات على المحتاجين، فكانت عادة جميلة الغرض منها استقبال روحانيَّة شهر رمضان الكريم، لكن للأسف نجد أنَّ جيل اليوم لا يعرف كثيراً من عاداتنا أو لا يهتم، فكنا نحرص على تلك العادات ونستعد لها من العام للعام بتهيئة المكان والتفكير فيما سوف يقدَّم والحرص على ارتداء ملابس جميلة محتشمة كالثياب المطرزة، لكن اليوم الوضع اختلف فكثير من الشابات والشباب يفضلون السفر قبيل رمضان أو قضاء «الشعبنة» مع الأصدقاء، لهذا نأمل لو أن تتبنى هيئة الترفيه الاهتمام بإحياء «الشعبنة» باعتبارها فلكلوراً وموروثاً شعبياً اجتماعياً.
للشعبنة طقوسها
وفي السياق ذاته تقول سيدة الأعمال مريم بابلغوم: نحن في منطقةِ الحجاز مُنذ القدم نحرص على إقامة «الشعبنة»، التي ارتبط اسمها بشعبان، حيث تقام بمزاولة طقوس معيَّنة تبدأ بتجمع النساء والصديقات، والبعض الآخر يقوم بجلب فرقة للتنشيد من أجل الترفيه بذلك اليوم، قبل دخول رمضان كدلالة على أنَّ رمضان سيدخل، لكن اليوم تلاشت تلك الظاهرة بأشكالها رغم أنَّها عادة جميلة تحمل ذكريات الزمن الجميل، وهذا مؤلم أنَّ مثل تلك العادات الجميلة أصبحت مقصورة على كبارِ السن وبعض من جيل الوسط من أبنائنا وبناتنا في وقت تقطعت فيه الأواصر الاجتماعيَّة وأصبحت مقصورة على التكنولوجيا.
الاختبارات حرمتنا منها
بينما أوضحت أمل حمود: ما زلنا نقيم «الشعبنة» ونحرص عليها كتقليد اجتماعي موروث مع كافة العائلة، حيث نقيمها على منتصف شعبان، بإقامة عشاء كبير في إحدى الاستراحات، وبعد الانتهاء من التجمع العائلي يأتي دور الصديقات، حيث نحتفل بقرب قدوم شهر رمضان الكريم بإقامة عشاء، سواء في منزل إحداهنَّ أو بمطعم، لكن للأسف هذا العام لن نستطيع إقامة «الشعبنة» لأول مرة بسبب تزامنها مع اختبارات نهاية العام.
لا تهم جيل اليوم
في حين ترى رنيم عبد الله، أن «الشعبنة» تقليد يهتم به جيل الآباء والأمهات، لكن جيل اليوم من الشباب لا تستهويه مثل تلك العادات، فنحن دائماً ما نلتقي ونجتمع، خاصة ونحن على اعتاب شهر رمضان نحرص أكثر على لمة العائلة والتزاور.
الرأي الاجتماعي
وحول مدى تأثير العادات المجتمعيَّة وتأصيلها أوضحت الاختصاصيَّة الاجتماعيَّة، سماح عبد الرحمن، أنَّ العادات المجتمعيَّة جزء لا يتجزأ من المجتمع، إذ تعمل تلك العادات على بناء شخصيَّة الفرد داخل مجتمعه، فهناك عادات أصبحت لا تفارق أفراد المجتمع وكأنَّها جزء من كيانهم لهذا يتوجب أخذ الجيد والمناسب، خاصة تلك العادات التي تعمل على بناء أواصر الترابط والتآلف، فموروث «الشعبنة» موروث تقليدي تناقلته أجيال عديدة ما يقارب المائة عام. لهذا لا بد من المحافظة عليه لأنَّه تقليد اجتماعي جميل يقام من دون ما يخالف العرف والدين، بل يعمل على جمع أفراد العائلة، مضيفة أنَّه لا بد أن نستغل تلك التجمعات فيما يعود بالنفع على الجميع كأن نتفقد أحوال بعض ونساعد المحتاج، وأن نعمل على الصلح والتسامح بين الأفراد المتشاحنين فتلك المناسبات الاجتماعيَّة فرصة جميلة للتقرُّب فيما بيننا.