لا يلغي موعد اللقاء معه إلا إذا جاءه طلب خاص من القيادة العليا، وهذا ما حصل معنا في حوارنا مع الفريق ضاحي خلفان تميم المهيري، قائد عام شرطة دبي، بمناسبة العيد الـ41 للاتحاد، وفي الموعد المحدد، قابلنا رجلاً يمزج بين الصلابة في المواقف والبساطة في الحضور، والانفتاح في سماع الرأي الآخر، قصة حوار حميمي شامل استمر لساعة ونصف الساعة مع قائد شرطة دبي.
بدأها بتهنئة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية، والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة، حاكم دبي، والشيوخ حكام الإمارات بالعيد الوطني.
1 - للعيد الوطني وقع خاص في نفوس ليس الإماراتيين فقط، بل في نفوس المقيمين أيضاً، كيف تنظرون إلى هذا التناغم؟
لأن العرب بالذات، ينظرون إلى حال الإمارات أنه النموذج، الذي استمر كاتحاد لإمارات كانت متفرقة، وفي أذهانهم كل محاولات الاتحادات أو الوحدة في الوطن العربي من قبل، لم يطل بها العمر، فجاءت الإمارات وحققت هذا الحلم، ولم تكن مجرد إمارات واتحدت، بل أنجزت.
الإنسان والثقة
2 - ما أهم الإنجازات التي مرّ بها المجتمع الإماراتي خلال السنوات الأخيرة؟
حدثني مواطن إماراتي سافر إلى أميركا فقال: ما إن رآني موظف جمارك هناك وعرف أنني من دبي، حتى قال لي: ها أنت من البلد الذي فيه برج خليفة؟ ما من شك أن عندنا أعلى مبنى لافتاً في العالم، لكن باعتقادي، أنه الأهم من بناء الأبراج، هو بناء الإنسان في الإمارات، الذي تمت تنميته للدرجة التي انتهت فيها الأمية، حيثُ كانت نسبة الأمية في بداية السبعينيات قبل قيام الاتحاد، تصل إلى 95 % واليوم تلاشى هذا الرقم ويكاد يكون صفراً، وكذلك بناء الثقة في اتحاد يعيش؛ حتى أصبح مصيراً.
3- الإشاعات تطفو على السطح، بشأن دمج شرطة دبي والاتحادية، ماذا حل بهذا المشروع، هل هناك معوقات؟
سواء كان الدمج موجوداً أم لا، فالعمل والتنسيق والتناسق حاضر في خططنا، وبصفتي رئيس مجلس قيادات الشرطة، وأنا في شرطة محلية. الذي لا يفهم كيف تعمل الدولة، ولا يفهم كيف تعمل أجهزتها، اتحادية كانت أم محلية، هو شخص لا يعرف أين القصة والحكاية، ومهما كان التفكير فهذا لا يغير في عملنا شيئاً.
رقم صعب!
4- ما مدى رضاك عمّا تقوم به إدارة حقوق الإنسان في الشرطة، هل هناك خطط جديدة؟
فكرة حقوق الإنسان أتت من أنه ينبغي علينا أن نعرّف الإنسان، سواء كان موظفاً أو رب عمل، فبعضهم يعتقدون أن لديهم نفوذاً على الطرف الآخر ولا يتحرجون من خداعه، أعطيكم مثالاً، استأجر شخص، أجنبي، سيارة من مكتب تأجير، وحدث معه حادث سير في إمارة أخرى، فأوهمه الموظف في المكتب أن عليه دفع قيمة الأضرار في السيارة وهي 16 ألف درهم، لأن شركة التأمين في دبي، ولا تغطي الإمارات الأخرى، ولم يكن المستأجر يملكها، وظل 10 أيام لا يتمكن من السفر، لأن الشخص الآخر، كان يحتجز جواز سفر.
ومن تحرياتنا عرفنا أن ما يفعله المؤجر فهو سيأخذ منه المبلغ، ثم يطالب شركات التأمين به، طبعاً استقدمناه، وحولناه إلى المحكمة، يعني لولا هذه الإدارة لما حللنا المشكلة، لأن الضحية لم يشتك.
البعض قال إن هياكل الشرطة تنظيمية ليس فيها في الدنيا كلها إدارة لحقوق الإنسان، فكان ردي عليهم، أنا أكسر القاعدة، وأدخل إدارة تعنى بحقوق الإنسان، ما العيب في هذا ما دامت ترفع الظلم على المظلوم. وهذا لب عملنا.
5 - بعد تكثيف دوريات الشرطة، خفّت الحوادث في دبي، ما آخر الإحصاءات؟
منذ خمس سنوات وصل الرقم إلى 335 وفاة في السنة، فانزعجت، وقلت للقائمين على المرور إنني قبل 15 سنة خضت حملة لتخفيض الحوادث، واستطعت السيطرة عليها، وأنتم عليكم لعب هذا الدور، وشرحت لهم الإستراتيجية التي اتبعتها في التسعينيات، وطلبت منهم أن تكون الوفاة في العام صفراً، هنا اتصل بي صديق من السويد وقال لي هذا الرقم صعب، لا يمكن أن يتحقق، فقلت له أعلم ولكن كما علمنا الشيخ محمد أنه لا يوجد مستحيل، وعلينا أن نجتهد، ولو اقتربنا من الصفر يكون خيراً وبركة، فنزلنا من 21 وفاة لكل 100 ألف إلى 3.5 لكل 100 ألف من السكان، وهذا الرقم يصل إلى أرقام الدول الإسكندنافية.
للمرأة مكانتها
6 - ما الدور الذي تلعبه المؤسسات الأمنية على الصعيد الاجتماعي؟
تعودت الشرطة المجتمعية في شرطة دبي، أن تجس نبض المجتمع وتجد له حلولاً، مثلاً حي من الأحياء فيه فوضى والناس غير مطمئنين، والشرطة مهمتها توفير الأمن النفسي، أمس حدثني أحدهم على تويتر.
وقال: «يحرر بي مخالفة الآن لأنني أتيت منطقة، وقيل لي إنك أتيت من مكان آخر»، والحقيقة أننا عندما نلاحظ شخصاً يأتي إلى منطقة وهو من أخرى ويظل سائراً أكثر من مرة، نعرف أن تردده يوجب الشبهة ونستوقفه، ونقول له: «إنت قاعد تعمل شي»، ليس معقولاً مساحة كيلو يروح فيه ويجيء، ممكن أنه يحاول التلصص، لارتكاب أمر مريب، ومرة اشتكى ساكن من سيارة تراقب بيته، فأرسلنا له دورية توقفت قريبة من داره ليطمئن، يهمنا من خلال الشرطة المجتمعية رفع مستوى الإحساس بالأمن.
7- بصفتك مقرباً جداً إلى حكام الإمارات، وجزءاً رئيساً وداعماً في الحكومة، كيف تقيّم دعم الشيوخ للمرأة؟
في اعتقادي أن المرأة الإماراتية لم تعطَ حقوقها، بل أخذتها بما لديها من ثقافة وعلم ومعرفة، واستطاعت أن تستثمر النهضة العلمية، التي وفرتها الدولة، فما شاء الله تجد النتائج العلمية للإناث أعلى من الذكور، ربما هو التحدي والإثبات على أنها عقل قادر على استيعاب زمنه.
بما أنني أخاطب قارئات «سيدتي نت»، أقول لهن إن المرأة احتلت مكانة مرموقة في الإمارات، وأصبحت اليوم تشارك في الحكومة، من مجلس الوزراء فما دون.
8 - إلى أي حد وصلت مشاركة المرأة في سلك الشرطة، وأين يبرز دورها أكثر؟
نحن بدأنا بتمكين المرأة في الشرطة من العام 1967 وقد فوجئت أن الشرطة النسائية في ألمانيا بدأت بعدنا، والسبب بسيط جداً هو أننا نتعامل مع المرأة كمسلمين، يعني نراعيها، وتدريجياً أصبح عندنا محققات جنائيات نساء، وفرق حماية، وقد جاءت الـ«سي إن إن»، منذ عشر سنوات وصورت ميدان الرماية، والشرطيات يسددن بالسلاح، ويجدن في دائرة العلامات العشر الإصابة بكفاءة عالية، وهن اليوم يقدن الدراجات ويحمين مواكب النساء، يعني يمارسن عملهن في حماية المرأة.
9 - انتشرت الجرائم الإلكترونية التي تطال أكثر ما تطال الفتيات، رغم أنها الأقل في الإمارات، ما تعليقكم؟
الجرائم الإلكترونية متنوعة من سرقات لحسابات، ومحاولات اعتداء على أطفال، ولكنها تزداد بحكم ازدياد دخول الشباب إلى هذا الفضاء المفتوح، وعندنا دوريات إلكترونية ومباحث إلكترونية، ربما أحدهم يخاطب طفلاً بهدف استغلاله، وعادة ما نستدرج ونقبض على مثل هؤلاء الأشخاص.
بماذا تنصح الفتيات اللواتي يقعن ضحايا لهذه الجرائم؟
يجب أن يعرفن أن استغلال الصور سهل، حتى لو كانت عادية، فالسارق يدعي فيها ادعاءات، فلا أنصح أي فتاة أن تحتفظ بصورها داخل هذه الشبكات، وبعضهن يعتقدن أنهن إذا بلغن فسينفضحن، وأقول لهن طالما العلاقة سليمة فلا تخفن، فالشاب الذي يستدرج فتاة لاستغلالها بشكل غير مشروع لا يقصد الزواج، ونواياه ليست شريفة فمن يأتي إلى فتاة عبر شبكة عنكبوتية، لتعلم أن علاقتها به ستكون أوهى من خيوط العنكبوت.
10 - ألا ترى أن الفتيات لا يخبرن خوفاً من القيل والقال بسبب التحقيقات؟
لا يمكننا إلا نحقق في الموضوع قبل أن نأخذ بكلامها، مرة واحدة جاءت تدعي أن شخصاً دخل عليها وصورها، واستغل هذا التصوير وراح يهددها، وعندما تابعنا وجدنا أنها كانت على علاقة به قبل التصوير. وهذه القضية لا تقتصر على الإمارات.
مواقف
11 - من المواقف المشهودة لك إيمانك بوحدة الشعب الخليجي، كما أنك تكنّ احتراماً للشعب السعودي، كيف تنظر إلى العلاقات بين دول مجلس التعاون وسبل تطويرها؟
العلاقات مع الخليج دائماً وأبداً بمستوى التعاون والذود عن أمنه، وكل ما يعكر صفو الحياة فيه، بعض الناس يقولون لا تدخّل نفسك، ولكن هذا لا يصير، منذ سنوات وشهور نقول خليجنا واحد، لماذا سنغير هذا المبدأ الآن، أنا مع أن الأمن كل لا يتجزأ، لا يمكن أن أستوعب جملة «اترك هذه الدولة تروح لا دخل لنا فيها»، فنحن في اتحاد مجلس التعاون الخليجي، عملنا الكل ويجب أن يأتي الجزء.
12 - ما رؤيتكم للمستقبل في دبي، وما الخطط التي تسعون إليها في ظل تنامي الواقع الاقتصادي والاجتماعي؟
دبي صار ماركة مسجلة، بمعنى آخر إذا عندك مؤسسة في دبي، يقال صنع في دبي، أعطيكم مثالاً نقلت سيمنز مكتباً لها إلى جبل علي، ونفذت مشروعاً لشرطة دبي، وهو غرفة العمليات، بالمشاركة مع 35 مهندس إلكترونيات من خريجي جامعات أوروبا وأميركا تابعين للشرطة، وهو إنجاز تنفذه سيمنز لأول مرة.
أنا قبلها زرت سنغافورة وطوكيو، وهولندا، وخرجت بفكرة لغرفة العمليات عندنا، ويوم الافتتاح، جزم كل من رأى غرفة العمليات في طوكيو، أن غرفة العمليات في غرفة دبي أفضل منها، حتى أن قائد شرطة سنغافورة الذي صمم غرفتهم منذ 3 سنوات أرسل نائبه ومدير الشؤون الإدارية والمالية، وقرروا إنهاء غرفتهم ليعملوا غرفة شبيهة بغرفة عمليات شرطة دبي. وسيمنز عندها مكاتب عديدة في العالم، ولكنهم قالوا إننا نريد فرع دبي تحديداً، وهذا يعني أن دبي تقترن بالخبرة والعمل الناجح.
في داره
13- كيف تتعاملون مع هذا العدد الهائل من السياح، هل هناك دورات للتعامل مع كل جنسية بحسب ثقافتها؟
نحن عادة نعلِّم أفرادنا على أسس ومبادئ الاتصال الجماهيري، وعلى الكثير من اللغات، الصينية والروسية والألمانية، والفرنسية، والإسبانية ونرى الوفود من أي بلدان يأتوننا، وعندما تحصل للسائح أي مشكلة، يشعر بالراحة لأن التفاهم معه سهل.
14 - السعوديون وجدوا بأعداد كبيرة خلال الإجازات، كيف تم التعامل معهم، وهل قدمت لهم مميزات خاصة عن غيرهم؟
السعودي يأتي إلى داره، ونحن نشعر بالعائلات السعودية كأنها عوائلنا، وواجبنا أن نقدم الخدمة بأحسن ما يكون، وننظر حتى في الشكاوى البسيطة. وهذا مبدؤنا، ما يميز دبي أنها قريبة من السعودية ودول الخليج، وهي وسط لا هي في جنوب الخليج، ولا هي في شماله، وهذا يمثل السوق، فهي السوق في قلب الجزيرة.
15 - هناك انتشار غير عادي لكاميرات المراقبة، في كل مكان، ألا يعد ذلك نوعاً من انتهاك خصوصية الناس؟
نحن نراك إذا العين المجردة تراك، فإذا كنت خارج غرفتك نحن نراك، داخل غرفتك لا نراك. نرى المارة والطريق، لو واحد على البلكونة فسنراه بالتأكيد، فاحتياطاتنا لضمان الخصوصية لا يتم اختراقها، وفي الفندق مثلاً هي في الممرات فقط.
16 - هل يمكن تركيبها في غرف الفنادق في حالات جرمية معينة؟
لم يسبق أن فعلنا ذلك، ولو كان الشك كبيراً بأحدهم لماذا نتركه أصلاً، أليس القبض عليه أفضل، واليوم تسجيلات التليفون صارت تحل المشكلة.
17 - ماذا عن الشخص الذي عمل «لينك» على البلاك بيري، وكتب هذا رقم شما حمدان، وقد فوجئ المتصلون بأنه رقم الشرطة، كيف تم القبض عليه؟
التفصيل تعرفونه من جماعاتنا الفنية، نحن نبحث عن أقوى هاكرز ونقبض عليه، كانت جنسيته إماراتية، تعرفون عندنا عفاريت إنترنت.
18- تطرح عبر تويتر مختلف القضايا الصغيرة والكبيرة، وقد تكون جريئة، فهل تسبب لك حرجاً في بعض الأحيان؟
في حالة الشتم مثلاً، المسألة ليست إحراجاً، بل أمر يجب إيقافه، فأنا في القضايا العامة أبدي رأيي كأي إنسان، هي ساحات حوار، فلم الحرج، ولكن أن يسبني فلا، أنا بصراحة من منطقة أحتمل الواحد فيها مرة واثنتين والثالثة خلاص «أفش خلقي به»، عندنا مثل شعبي يقول عن الثالثة «أم قرينات»، نسمح للإنسان بالغلط مرتين، ونقول له الله يسامحك، والتويتر وشبكات التواصل أدوات جديدة على العرب، فأنزلوا بها... ما أنزل الله به من سلطان، والأصول أن يبدي الإنسان رأيه، ولكن لا يفرضه على الآخرين.
شاعر الشجون
19 - أبو فارس شاعر، ومنذ فترة نحن لم نسمع لك جديداً، ما الذي تخبئه لقارئات سيدتي؟
لم يعد عندي الوقت الكافي ولكن الشعر موجود، وبين شعر وآخر تختلف الأحاسيس، أحب قصيدة أسميها «كلمات» وهي بعنوان «حديث العيون» أقول فيها:
من حديث العيون بالتنا في شجون
ويوم قالت أحبك حب حد الجنون
ولعتني حقيقة والتولع فنون
طالعتني وقالت صوبنا تنظرون
قلتلا يا غناتي إنت ممن تكون؟
قالت احذر بنفسك علكم تعرفون
قلت هذا قوامك مال بين الغصون
والشعر اللي نشرته فايحن ع المتون
وعطركم دهن عود ممتزج بالدخون
خبروني بأنك يا غزال البتون إنت ريم الجزيرة ساكنين الحصون
حافظين الأمانة للمكانة تصون.
ففتاة القصيدة هي من عائلة طيبة كريمة ومن الجزيرة، هي قصيدة طويلة من حوالي 35 بيتاً قرأتها على زوجتي فتكدرت، لكن قلت لها إنني لم أر لا عيوناً ولم أشتم أي دخون، هي مجرد صورة من خيالي الشعري، وقد كنت في سفرة وجلست بعد فنجان قهوة، وإذا بخيالاتي ترسم بالكلمات، ربما من وجه امرأة طالعتها بشكل بريء.
لمتابعة المقابلة كاملة .. في عدد سيدتي 1656