يزور أكثر من عشر ملايين سائح "باريس" كلّ سنة، وهضبة "مونمارتر" تحديدًا عنوان يجذب أعدادًا كبيرة من بينهم، ويأتي في المنزلة الثانية بعد "برج إيفل".
هندسة طرقات حيّ "مونمارتر" الضيّقة ومنازله الملتصقة ببعضها البعض ودكاكينه الصغيرة والفنّانون الذين يعجّ بهم الحي، من رسّامين وعازفي موسيقى، كلّها عناصر تُحيل السائحين إلى زمن "باريس" الجميل، زمن الفنّ الشعبي والموسيقى الحيّة. أمّا هضبة "مونمارتر" فتعلو 130 مترًا عن سطح البحر، وتطلّ بروعة على أبنية "باريس" ذات المعمار الأوسماني، نسبة إلى المعماري الفرنسي البارون جورج أوجين أوسمان الشهير، الذي أعاد رسم وجه باريس خلال حقبة الـ"أمبير" الثانية، في إثر الثورة الفرنسيّة. وفي ذاكرة "الهضبة" مرور المغنيّة الراحلة داليدا، التي اختارت الإقامة في هذا المكان، حيث اشترت بيتًا في "مونمارتر". ومن نوافذه، كانت تستمع إلى عازفي الموسيقى في الساحة، التي باتت تحمل اسمها، اليوم.
يعلو "الهضبة" صرح "ساكري كور" الديني، الذي كان شُيّد سنة 1875. المعمار فخم، وهو بيزنطي روماني، وخلفه تقع ساحة "تارت" مربعة الشكل، والتي تعجّ بالتشكيليين. ولكلّ فنّان من بينهم أسلوب في رسم باريس ومعالمها و"بورتريهات" المارّة. تعدّ هذه الساحة بمثابة الفضاء الذي انطلق منه الفن العصري الباريسي في بداية القرن العشرين. وفيها، عاش الرسّامان الإسباني بيكاسو والفرنسي موريس إيتليلو. وبعد بضع خطوات، تقع ساحة "نورفان"، التي تمتاز بأزقّتها الضيّقة، ومن بينها شارع "صول"، حيث مطعم "لا بون فرانكيت"، الذي فتح أبوابه قبل أربعة قرون، ولا يزال إلى اليوم واحدًا من المطاعم الباريسيّة الأشهر. وهو لطالما كان الوجهة المفضّلة لعدد من أكثر الفنّانين شهرةً، ومن بينهم: الروائي إيميل زولا والتشكيليين فان غوخ ورونوار ومونيه وسالفادور دالي. وتكريمًا لهذا الأخير، أُسّس متحف خاص به في قلب "مونمارتر"، يضم أكثر من 300 لوحة من أعماله المعروفة.
بالطبع، لا يمكن ذكر هضبة "مونمارتر"، من دون الإغفال عن حقول العنب التي تمتدّ على مساحة ألفي متر مربع. ولا تزال الكروم محمية منذ أن زرعت أولى أشجار العنب فيها سنة 1070، أي قبل أكثر من تسعة قرون!
السلالم أم الـ"تيليفيريك"؟
للراغبين في اكتشاف "مونمارتر"، هناك وسيلتان للوصول إلى أعلى الهضبة، فإما صعود السلالم الحجر المحاذية للصرح الديني، والبالغ عددها 222 درجة، أو ركوب الـ"تيليفيريك"، الذي يختصر المسافة في بضع دقائق. ولكن لصعود السلالم نكهة خاصّة، فهو يسمح بالاستمتاع أكثر بجمال "باريس"، على أنغام موسيقى أغاني داليدا، التي لا يزال اسمها مرتبطًا بهذا الحيّ الذي عاشت وتوفّيت فيه.
محطّات تاريخيّة
| أُلحقت هضبة "مونمارتر" بباريس سنة 1860، بعد أن كانت بلدية مُستقلّة تحمل اسم "مارت"، وهي كلمة فرنسيّة قديمة تعني "شهيد"، وقد أطلقت على المكان تكريمًا للشهيد سان دونيه الذي قُتل خلال الحروب الدينيّة في العهد الملكي الفرنسي.
| تروي الأسطورة أن سان دونيه حمل رأسه بيديه، بعد أن قُطع، ومشى لستّة كيلومترات، إلى أن التقى براهبة فأعطاها إيّاه ووقع ميتًا عند قدميها. ودُفن في المكان، الذي بني فيه لاحقًا صرح "سان دونيه" الديني.
| ارتفع صرح "ساكري كور" في أعالي هضبة "مونمارتر"، سنة 1875.
| يعود تاريخ بناء بعض أقدم المنازل التي لا تزال قائمة في حيّ "مونمارتر" إلى القرن الثامن عشر.
__________________________________________________
* من باريس إلى "مونمارتر": 32 دقيقة، بالسيّارة. و15 دقيقة، بالقطار السريع.
هل أعجبكم الموضوع؟