من القصص الفكاهية المستوفاة لشروط مسابقة «سيدتي» للقصة الفكاهية القصيرة، نقدم لكم قصة: «حكاية فايسبوكية» لياسمين درويش. مع العلم أن القصص لم تخضع لأي تصحيح، عدا التصحيحات اللغوية والإملائية، على أن تقوم لجنة الجائزة باختيار الأصلح بينها.
حكاية فايسبوكية
أمسك سامر جهازه الخليوي ذا الشاشة الكبيرة الحجم، وقام بلمس شاشته راسماً خطوطاً مستوية ومنكسرة لإزالة القفل، ثم ضغط على الحرف f الأزرق اللون وعيناه تنظران بترقب، وابتسامة صغيرة تعلو وجهه، وما إن رأى في أعلى الشاشة جاري التحديث حتى انقلب سروره كمداً؛ لمرأى صورة طفل مغمض العينين أحمر الوجه لا يتعدى عمره عدة ساعات، ملفوفاً بأقمشة بيضاء اللون.
ثم قرأ تحت الصورة التعليق التالي: «الحمد لله الذي رزقني بمولود ذكر أسميته شاكر، وهو الأخ الثالث لإخوته سمير وسامح».
فأردف في سره: «ثلاثة ذكور لوائل، ولي ابنة، الحمد لله على كل حال «وتابع التقليب حتى وقعت عيناه على صورةٍ لصديقه رامز يبدو فيها مبتسماً، يضع الخوذة الصفراء على رأسه، يقف قرب درج قيد الإنشاء أمامه أكوام من النحاتة والبحص وخلفه العمال يقومون بتربيط القضبان الحديدية «حديد التسليح» بالأسلاك الصغيرة في ساحة المشروع أما الجبال الضخمة فتبدو واقفة عن بعد لتكتمل الصورة التي أغاظت سامر ودفعته لإغلاق جهازه الخليوي مرتعداً، شاعراً ببرودة بيديه والغيرة تنهش قلبه، معيداً شريط الذكريات في رأسه، هامساً لنفسه: رامز الغبي، الذي اعتاد الهرب من الدروس العملية المرهقة أيام كنا طلاباً في الكلية، فيهرب من المراسم والمخابر، وكنت أساعده في فهم ما غاب عنه، وأبرر غيابه للمعيدين.
وتابع سامر الحديث في سره:
رامز الكسول الذي اعتدت أن أدرسه فلا يستوعب، وأحياناً أشفق عليه فأفتح له ورقتي الامتحانية في الامتحانات العملية ليغش، فلا يستفيد لشدة غبائه.
وبعد هذا العناء كله، علماً أني قد تخرجت قبله بعامين، أصبح رامز نجم المشاريع، وعمل بشركات متطورة خارج القطر في مدينة يحلم بزيارتها الألوف، فيما أنا أعمل مهندساً دارساً في شركة بائسة يائسة خارج القطر أيضاً، في مدينة جميلة حتماً... ولكن حتى التنفس فيها يفرضون عليه ضريبة باهظة.
وأردف متألماً: أنا الطالب المجد المتفوق، المهندس الناجح، رغم كيد الكائدين وحسد الحاسدين.
فتوجه سامر إلى جهاز الحاسوب الخاص به وهو يرتجف غيظاً، وأخذ يبحث بين صوره عن صورة لحمار مرتدٍ بنطالاً، فقام بقصها ولصقها على صورة لمشروع قيد الإنشاء كان محتفظاً بها منذ فترة لعله يستفيد منها علمياً، ثم قام بقص الخوذة الصفراء من على رأس رامز ولصقها على رأس الحمار، وأخيرا قص الدرج الذي هو قيد الإنشاء من صورة رامز لصقها قرب الحمار.
وهكذا اكتملت الصورة وهي على النحو التالي: «حمار يرتدي خوذة وبنطالاً، واقف قرب درج قيد الإنشاء في مشروع هندسي، وهنا قرر سامر أن يترك فاصلاً زمنياً بين الصورتين، لئلا يشعر الأصدقاء الفيسبوكيون بغيرته الزائدة، وهكذا ترك سامر الصورة أسابيع محفوظة في جهاز حاسوبه، وبعد ذلك قام بإرسالها لتكون ضمن صفحة الفايسبوك الخاصة به. وحين فتح رامز محفظته الفايسبوكية رأى تلك الصورة وعلم أنه المقصود فضحك مطولاً وشعر بأنه متفوق على رفاقه وأن الحظ ابتسم له أخيراً، ثم كتب تعليقاً على الصورة: «حمار محظوظ» وتذكر أيام الجامعة بكل تفاصيلها بحلوها ومرها رغم مرور السنوات السبع، وعادت إليه أيام كان يهرب من الجلسات العملية حين يشعر بالضيق من المعلومات الهندسية، التي كان يراها غير مفهومة كطلاسم هيروغليفية وفكر باستخدامها لكتابة حجاب لجلب المحبة بين الأزواج المتخاصمين.
أيام كان يضحك من علاماته المتدنية، ويخبئ نبأ رسوبه عن ذويه؛ ليعيش حياة وردية بعيداً عن تأنيب أسرته ولومهم، بينما كان سامر يتوتر إذا نال علامة جيدة، وليست عالية كما اعتاد.
وهنا همس رامز لنفسه: «كنت أعلم أن سامر يحبني، فقد كان يعلمني ويهتم بدروسي ويبرر غيابي للمعيدين، ولكنه الآن يتابع أخبار عملي، ويهتم بي، بل ويشتعل غيرة مني».
مسابقة القصة الفكاهية: حكاية فايسبوكية
- ثقافة وفنون
- سيدتي - ياسمين درويش
- 16 سبتمبر 2017