أعاد ثالث أيام الدورة العاشرة من مهرجان عشيات طقوس المسرحية، للذاكرة أحداث ما سُمي بـ"سنة الطبعة"، التي عاشها السعوديون قبل قرابة الـ94 عاماً، نقلها إلى المسرح المخرج السعودي ياسر الحسن، عن مسرحية من تأليفه أيضاً وتمثيل الفنان ماهر الغانم عبر عرض المونودراما "الشرقي الذي فُقد"، وذلك على خشبة مسرح أسامة المشيني في منطقة جبل اللويبدة في العاصمة الأردنية عمان.
"سنة الطبعة" والشرقي الذي فُقد
تتمحور قصة العمل حول رجل سعودي، كان يعمل غواصاً على شواطئ الخليج في عام "الطبعة"، وهو الإعصار المشؤوم الذي ضرب المراكب والسفن حينها، وأودى بحياة الآلاف من الغواصين، وأغرق مئات السفن والمراكب في العام 1923، ما أدى إلى كارثة إنسانية واقتصادية كبيرة.
بالعودة إلى حكايتنا، وعلى الرغم من نجاة بطل الحكاية من الموت، إلى أنه لم ينجُ من الضياع بالبحر، ومن أيدي القراصنة، الذين اختطفوه، وأخذوه معهم إلى إيطاليا، وهناك استعبدوه وحاولوا أن يصنعوا له حياةً جديدة، قوامها الذل والإستعباد، حاولوا أن يسلخوه من هويته الشرقية، وإلباسه هوية أخرى وثوباً آخراً ليس له.
بطل الحكاية لم يرد أن يعيش حياته الجديدة، فصارع الكثير وواجه مصاعب وتحديات كبيرة، وكان حبه لـ"مريم" هو اليد التي تسنده حتى يكمل مواجهاته لكل ما يلاقي، حتى جاء اليوم الذي نسج خطته فيها للهرب من هذا الأسر، إلا أن أحدهم وشى به باللحظات الأخيرة، وأمسك به القراصنة من جديد ونفوه إلى إحدى الجزر النائية عقاباً له.
مونودراما أبطالها الحسن والغانم
أما عن العمل السعودي من الداخل، فبمعظم الأحيان يعتمد عمل المونودراما القائم على الممثل الواحد، على الجهد الذي يبذله الممثل على الخشبة، وكيف سيقدم حكاية ومقولة العرض، وكيف سيتمكن من التعامل مع أدواته المسرحية، إلا أنه كان من الواضح جداً أن العمل السعودي "الشرقي الذي فُقد"، حمل كل من المخرج والممثل هذا الجهد وهذه المسؤولية بشكل كبير، فكأن الحسن كان على المسرح حاضراً للغاية من خلال رؤيته الإخراجية.
الغانم .. الممثل الوحيد
أثبت الفنان السعودي ماهر الغانم، أنه قادر على حمل أي عمل مسرحي بمفرده، فأبدى تمكنه القدير بالتحكم في أدواته المسرحية، من خلال الأداء الذي قدمه في العرض، متنقلاً برشاقة بين الدراما والكوميديا، بين الواقع والخيال، والشخصيات المفترضة بشكل محترف، مُحافظاً على إيقاعه، إذ نجح في شدّ انتباه الحضور حتى اللحظة الأخيرة من العمل.
في بداية العمل، تقمص الغانم شخصية هذا البحار بعد كل هذه السنوات من نفيه على الجزيرة، آخذاً شكلاً معيناً لهذه الشخصية، مُنسجماً مع الفترة الزمنية والنفسية التي عاشها هناك، حيث شكّل جسده الذي بدا عليها المعاناة والتأثر من ذلك، وبخفة لم يلحظها الجمهور، تمكن من أن يتقمص شخصية الغواص وحالته وشكله الجسدي قبل النفي على الجزيرة، حيث أعاد الحالة الطبيعية لحركة جسده، وطريقة كلامه ونبرة صوته، وتمكن في الوقت نفسه وبخفة كبيرة، أن ينتقل بين الشخصيات المفترضة التي تحدث عنها، بالإضافة إلى نجاحه بالتنقل بين الخارجي والداخلي مما يفكر فيه بحديث اللغة الإيطالية واعتماده أداءاً معيناً كي ينقل للجمهور مرور أحد القراصنة، فكأن الجمهور كان قد شاهد القرصان فعلاً على الخشبة.
الحسن .. مخرجاً حاضراً بالعمل
"السهل الممتنع" .. هذا ما يمكن أن نصف به الرؤية الإخراجية التي قدمها المخرج السعودي ياسر الحسن خلال العرض الذي لم يكتفِ بإخراجه، بل وكان مؤلفه أيضاً، فكان أكثر من رأى تفاصيل القصة، وتمكن من نقلها لنا نحن الجمهور، فلم يعتمد على قطع ديكور عديدة حتى يتنقل بين البحر والجزيرة والقراصنة، ولا على الكثير من الملابس للتنقل بين حالات العمل الدرامية والزمنية، بل اكتفى بقطعة كبيرة من القماش الأبيض على خشبة المسرح، استطاع أن يُسقط عليها اشتغالاته الإخراجية لتكون البحر والجزيرة والقراصنة ومريم، ولتكون الملابس أيضاً، وحتى أنه تمكن من صنع صورة سينمائية لبعض المشاهد، فقط من خلال هذه القماشة البيضاء.
بحركات قليلة كان الغانم يستخدم هذه القماشة البيضاء، حتى يُصور مشهد البحر وغرقه فيه، وبلحظات أخرى كانت هذه القماشة نفسها، تكون السفينة، وأخرى كانت تؤدي دور "مريم" التي يحبها الغواص، وفي آخر العرض كان لها استعمال مهم، حين عزم بطل الحكاية على الهرب، وبدء بجمع أغراضه وحياته أيضاً حتى يهرب فيها، فكانت القماشة كفيلة بأن تعطي هذا التأويل للهرب ولحظة الهرب، إضافة إلى الأداء الذي قدمه الغانم في هذا المشهد، حيث تحولت "السفينة والبحر والقراصنة..." إلى بقجة من الأشياء يحملها معه الغواص.
على جانب آخر من العمل، وهو النصّ الذي كما أسلفنا من تأليف الحسن نفسه، كانت التقاطة مُذهلة أن يستعيد هذه الكارثة المنسية من تاريخ الخليج، وأن يقدم من خلالها قصة أحد هذه "الأرقام" في إحصائيات الكارثة، ليكون روحاً وقصة حقيقية، تعيش أحداثها وتحدياتها الخاصة، ما يجعل من باقي الأرقام قصصاً وليست مجرد إحصائيات لما حدث، إضافة إلى النصّ المتقن الذي تنقل بين أجواء الخليج وإيطاليا بعدة لغات، حتى ولو كانت اللغات غير العربية قليلة الإستخدام، إلا أنها أدت دورها بنجاح، ومن ناحية ثانية للنصّ أيضاً، كان صائباً في تنقلاته بين الحالات الدرامية، من حزن وفرح وغضب وغيرها.
"سنة الطبعة" والشرقي الذي فُقد
تتمحور قصة العمل حول رجل سعودي، كان يعمل غواصاً على شواطئ الخليج في عام "الطبعة"، وهو الإعصار المشؤوم الذي ضرب المراكب والسفن حينها، وأودى بحياة الآلاف من الغواصين، وأغرق مئات السفن والمراكب في العام 1923، ما أدى إلى كارثة إنسانية واقتصادية كبيرة.
بالعودة إلى حكايتنا، وعلى الرغم من نجاة بطل الحكاية من الموت، إلى أنه لم ينجُ من الضياع بالبحر، ومن أيدي القراصنة، الذين اختطفوه، وأخذوه معهم إلى إيطاليا، وهناك استعبدوه وحاولوا أن يصنعوا له حياةً جديدة، قوامها الذل والإستعباد، حاولوا أن يسلخوه من هويته الشرقية، وإلباسه هوية أخرى وثوباً آخراً ليس له.
بطل الحكاية لم يرد أن يعيش حياته الجديدة، فصارع الكثير وواجه مصاعب وتحديات كبيرة، وكان حبه لـ"مريم" هو اليد التي تسنده حتى يكمل مواجهاته لكل ما يلاقي، حتى جاء اليوم الذي نسج خطته فيها للهرب من هذا الأسر، إلا أن أحدهم وشى به باللحظات الأخيرة، وأمسك به القراصنة من جديد ونفوه إلى إحدى الجزر النائية عقاباً له.
مونودراما أبطالها الحسن والغانم
أما عن العمل السعودي من الداخل، فبمعظم الأحيان يعتمد عمل المونودراما القائم على الممثل الواحد، على الجهد الذي يبذله الممثل على الخشبة، وكيف سيقدم حكاية ومقولة العرض، وكيف سيتمكن من التعامل مع أدواته المسرحية، إلا أنه كان من الواضح جداً أن العمل السعودي "الشرقي الذي فُقد"، حمل كل من المخرج والممثل هذا الجهد وهذه المسؤولية بشكل كبير، فكأن الحسن كان على المسرح حاضراً للغاية من خلال رؤيته الإخراجية.
الغانم .. الممثل الوحيد
أثبت الفنان السعودي ماهر الغانم، أنه قادر على حمل أي عمل مسرحي بمفرده، فأبدى تمكنه القدير بالتحكم في أدواته المسرحية، من خلال الأداء الذي قدمه في العرض، متنقلاً برشاقة بين الدراما والكوميديا، بين الواقع والخيال، والشخصيات المفترضة بشكل محترف، مُحافظاً على إيقاعه، إذ نجح في شدّ انتباه الحضور حتى اللحظة الأخيرة من العمل.
في بداية العمل، تقمص الغانم شخصية هذا البحار بعد كل هذه السنوات من نفيه على الجزيرة، آخذاً شكلاً معيناً لهذه الشخصية، مُنسجماً مع الفترة الزمنية والنفسية التي عاشها هناك، حيث شكّل جسده الذي بدا عليها المعاناة والتأثر من ذلك، وبخفة لم يلحظها الجمهور، تمكن من أن يتقمص شخصية الغواص وحالته وشكله الجسدي قبل النفي على الجزيرة، حيث أعاد الحالة الطبيعية لحركة جسده، وطريقة كلامه ونبرة صوته، وتمكن في الوقت نفسه وبخفة كبيرة، أن ينتقل بين الشخصيات المفترضة التي تحدث عنها، بالإضافة إلى نجاحه بالتنقل بين الخارجي والداخلي مما يفكر فيه بحديث اللغة الإيطالية واعتماده أداءاً معيناً كي ينقل للجمهور مرور أحد القراصنة، فكأن الجمهور كان قد شاهد القرصان فعلاً على الخشبة.
الحسن .. مخرجاً حاضراً بالعمل
"السهل الممتنع" .. هذا ما يمكن أن نصف به الرؤية الإخراجية التي قدمها المخرج السعودي ياسر الحسن خلال العرض الذي لم يكتفِ بإخراجه، بل وكان مؤلفه أيضاً، فكان أكثر من رأى تفاصيل القصة، وتمكن من نقلها لنا نحن الجمهور، فلم يعتمد على قطع ديكور عديدة حتى يتنقل بين البحر والجزيرة والقراصنة، ولا على الكثير من الملابس للتنقل بين حالات العمل الدرامية والزمنية، بل اكتفى بقطعة كبيرة من القماش الأبيض على خشبة المسرح، استطاع أن يُسقط عليها اشتغالاته الإخراجية لتكون البحر والجزيرة والقراصنة ومريم، ولتكون الملابس أيضاً، وحتى أنه تمكن من صنع صورة سينمائية لبعض المشاهد، فقط من خلال هذه القماشة البيضاء.
بحركات قليلة كان الغانم يستخدم هذه القماشة البيضاء، حتى يُصور مشهد البحر وغرقه فيه، وبلحظات أخرى كانت هذه القماشة نفسها، تكون السفينة، وأخرى كانت تؤدي دور "مريم" التي يحبها الغواص، وفي آخر العرض كان لها استعمال مهم، حين عزم بطل الحكاية على الهرب، وبدء بجمع أغراضه وحياته أيضاً حتى يهرب فيها، فكانت القماشة كفيلة بأن تعطي هذا التأويل للهرب ولحظة الهرب، إضافة إلى الأداء الذي قدمه الغانم في هذا المشهد، حيث تحولت "السفينة والبحر والقراصنة..." إلى بقجة من الأشياء يحملها معه الغواص.
على جانب آخر من العمل، وهو النصّ الذي كما أسلفنا من تأليف الحسن نفسه، كانت التقاطة مُذهلة أن يستعيد هذه الكارثة المنسية من تاريخ الخليج، وأن يقدم من خلالها قصة أحد هذه "الأرقام" في إحصائيات الكارثة، ليكون روحاً وقصة حقيقية، تعيش أحداثها وتحدياتها الخاصة، ما يجعل من باقي الأرقام قصصاً وليست مجرد إحصائيات لما حدث، إضافة إلى النصّ المتقن الذي تنقل بين أجواء الخليج وإيطاليا بعدة لغات، حتى ولو كانت اللغات غير العربية قليلة الإستخدام، إلا أنها أدت دورها بنجاح، ومن ناحية ثانية للنصّ أيضاً، كان صائباً في تنقلاته بين الحالات الدرامية، من حزن وفرح وغضب وغيرها.