شعور الغربة والبعد عن الأهل والحي والأصدقاء والتفاصيل الصغيرة، البرودة التي تجتاح أرواحنا بعد حزم حقائبنا والرحيل مخلفين كل شيء وراءنا سعياً للحلم، كل هذا جعل مبتعثينا يخلقون في غربتهم دفئاً من نوع مختلف، وميض من الضوء يتسلل لثقب كاميرا ينتج عنه وهج من الإبداع يبثونه عبر حساباتهم الشخصية، ليثير إعجاب الكثيرين، ويتحول إلى مصدر دخل بعد ذلك.
التصوير جهد وذكاء
رغم وفرة المناظر الجميلة في المناطق التي يدرس فيها مبتعثونا المهتمون بالتصوير، سواء في الولايات المتحدة، أو كندا، أو بريطانيا، والتي نظن بأنها كفيلة بأن تصنع من أي شخص مصوراً محترفاً دون أدنى جهد, إلا أنهم يرفضون إرجاع تميزهم في التصوير وتكوينهم لقاعدة كبيرة من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى هذا الأمر فحسب، فيرون أن التصوير يحتاج لجهد وذكاء وليس منظراً جميلاً تلتقطه الكاميرا فحسب، كما أن المصور الجيد في نظرهم هو من يصنع الصورة حتى وإن كان في منطقة خالية من الطبيعة، فالتصوير عالم متسع يمكن للإنسان الإبحار فيه بلا توقف عندما يعرف كيفية رؤية الأماكن بشكل مختلف وبزوايا مختلفة.
تجربة ننقلها لكم اليوم من خلال هذه السطور وكيف تحولت من هواية إلى ربح، حيث يرى المصور عمار الشهري "المبتعث لدراسة الهندسة الطبية" أن من الجميل أن يمارس الإنسان أمراً يحبه، ويجني منه الربح في نفس الوقت، ففي البداية، لم يكن يضع الربح المادي في ذهنه إلا بعد أن لاحظ في كل مرة يخرج فيها للتصوير سؤال العابرين له إن كان يقدم جلسات تصوير خاصة أم لا، فتطورت الفكرة لديه، ورغب بجعلها أكثر احترافية، ويقول: طبعت عدة كروت شخصية لكي أقوم بالإعلان عن نفسي كمصور، ووضعت مواعيد وأسعار محددة، وساعدني هذا الأمر في تطوير نفسي وتطوير معدات التصوير الخاصة بي.
الوظيفة أولاً: وبالرغم من الشغف، الذي يظهره مبتعثونا في التصوير الفوتوغرافي، وتسجيلهم للحظات لا يمكن تكرارها خلال غربتهم، إلا أنهم يضعون الأولوية للبحث عن الوظيفة في مجال تخصصاتهم بعد عودتهم إلى أرض الوطن، باعتبارها الأمر الذي تغربوا من أجله، والذي من شأنه أن يحقق لهم الاستقرار المادي، الذي يطمحون إليه، ثم البداية في مشاريعهم الخاصة بالتصوير.
ويذكر لنا عمار بعض المهارات التي باعتمادها يمكن أن يتحول المصور من مصور "جيد" إلى مصور "ممتاز"، أبرزها:
1.كن كالقناص: أكثر ما يمكن أن يميز أي صورة الذكاء في اختيار زمن التقاطها، وأنها تسجيل للحظة عفوية لا يمكن تكرارها، فعند رغبتك في التخصص بتصوير "حياة الشارع"، وهي الأمور التي تحدث بعفوية أمامك كل يوم، وقد لا تلفت نظر الكثيرين، أنت لا تحتاج إلى معدات تصوير باهظة بقدر احتياجك إلى عين تستطيع رؤية مشهد تترجمه خلال ثوانٍ في صورة جميلة، وفي هذه الأثناء ينبغي أن يكون المصور الممتاز كالقناص جاهزاً دائماً، وفي وضع الاستعداد لإيقاف الزمن عند هذه اللحظة وتوثيقها.
2. قلد المحترفين: التغذية البصرية تعتمد على المشاهدة للصور ذات الأفكار المختلفة لتساعد المصور على تطوير وتنمية مهاراته عن طريق محاولة تصويره لمثل تلك الصور، لذلك يستطيع
المصور المبتدئ متابعة المصورين في مواقع التواصل الاجتماعي، والتمعن في صورهم، والتفكير في كيفية التقاط كل صورة من صورهم، ورغم أن كثيراً من الأشخاص يعتبرون هذا العمل غير احترافي، إلا أنه فعلياً لا يجعلك تقلد فحسب، بل يساعدك على توليد أفكار أفضل، ومن تجربتي في بداياتي، تقليد صور المصورين المحترفين في بداية الأمر ساعدني في تحديد هويتي الفوتوغرافية.
3.تفكر فيما حولك: توقف عن اختلاق الأعذار، فالتصوير مهارة تساعد كثيراً في تطوير الحياة والشخصية من خلال واحدة من أعظم العبادات، وهي عبادة التفكر، التي تكسب الروح صفاءً ونقاءً كبيرين، كما أن التفكر في بديع صنع الخالق عز وجل وفيما حولك بعمق يساعدك على الخروج بلقطات مميزة وجميلة، بالإضافة إلى أنه يملأ النفس راحةً وسعادةً.