قد تكون التكنولوجيا ساعدتنا في الكثير من الأشياء، ولكن في الوقت ذاته أفقدتنا متعة العديد من الأمور، فهي سلاح ذو حدين، ومع الأسف أساء الأغلب استخدام التكنولوجيا حتى أصبحت تقوم بتقريب الأشخاص البعيدين عنا، وعملت على المباعدة بيننا وبين الأشخاص القريبين منا، فجميعنا الآن في البيت الواحد ننكب على هواتفنا والأجهزة اللوحية بالساعات، مما أفقدنا متعة الأحاديث الأسرية، فما بالك بحقوق الجار علينا؟
نذكر جميعاً عندما كنا أطفالاً كيف كانت هناك زيارات متبادلة بيننا وبين الجيران حتى وصل بنا الحال اليوم أننا نسكن في مبنى واحد ولا يعرف أي منا أحداً من جيرانه، هذا ما ستتحدث عنه الأخصائية الاجتماعية آمال العجلان، والتي أجابت على سؤالنا: كيف أثرت التكنولوجيا على حقوق جيراننا وحياتنا الاجتماعية؟ قائلة: إن حياتنا الاجتماعية أصبحت مهددة بالعدم، والسبب في ذلك ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، التي أحدثت طفرة في حياتنا، ونقلتنا من أرض الواقع إلى العيش في عالم افتراضي يأخذ وقتنا بأكمله، ولا يعطي لنا مجالاً للاستثمار في العلاقات الإنسانية والاهتمام بالجانب الاجتماعي بما فيه حق الجار، الذي ضاع بسبب التواصل التقني، فقديماً كانت أمهاتنا وأهالينا يحافظون على حق الجار، فكانت هناك أيام للتجمع أسبوعياً مع الجيران، وكانت هناك فعاليات بيننا وبين جيراننا كالأفراح والتعازي وحتى بدون مناسبة، فكنا كجيران نشترك في حافلة مدرسية واحدة لنقل أطفالنا، ونتجمع في يوم لقراءة القرآن، ونتبادل أطباق الحلوى والطعام لدرجة أننا ننسى الأطباق وصلت لأي جار.
وأضافت: مواقع التواصل الاجتماعي ألغت كل تلك الأحداث، وجعلتنا نهتم ونتواصل مع أشخاص في قارات مختلفة، فاستطاعت التكنولوجيا إلغاء المسافات بيننا وبين الأشخاص البعيدين عنا، في حين أنها باعدت بيننا وبين جيراننا، ومن يملك منا جاراً حتى الآن، يكون السؤال عنه من خلال "الواتس أب"، حتى المباركات والتهاني التي كنا نقوم بالاتصال والزيارة لفعلها، أصبحت الآن مجرد كلمات تكتب على مواقع التواصل الاجتماعي، ورغم أن لنا جيران بجوارنا، قد لا نعرف الأحداث التي تواجههم إلا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي كـ"الفيس بوك" و"تويتر" و"انستغرام "من خلال كلمات يكتبونها نعلم بفقدان عزيز لديهم أو زواج شخص في العائلة، فتقطعت صلة الود والوصل بيننا وبين الجيران التي أوصانا الله سبحانه وتعالى بها ورسوله الكريم بها.
وأصبحت مواقع التواصل هي الأولى في حياتنا، بحيث نضع عليها حياتنا بأكملها حتى ضاعت الخصوصية، وأصبح كل شخص يستطيع معرفة ما أكلنا، وأحداثنا اليومية، ومن ضمنها أشخاص لم يسبق الحديث معهم إلا لثوانٍ، وتمت إضافتهم، فالأغراب أصبحوا يعلمون عنا ما لا يعلمه الأحق بالمعرفة كالجيران.
لذا لابد أن نولي الجار الاهتمام، ونتعرف عليه، ونزوره، ونتعرف على احتياجاته، ونساعده، ونجعل بيننا وبين بعضنا رابطاً مشتركاً مثلما كانت تفعل أمهاتنا وجداتنا، وابتعدوا عن عمل "جروبات الواتس اب" وضم جيرانكم إليها، فهذا أيضاً ليس أسلوب التواصل الفعال، الذي نحكي عنه، بل تزاوروا، واصنعوا الطعام سوياً، وأرسلوا لهم أطباق الحلوى، وقوموا باستضافتهم في منزلكم، واجعلوا لأبنائكم حياة اجتماعية إن كنتم غير راغبين بها لأنفسكم وقد اكتفيتم بمواقع التواصل الاجتماعي، فلا تظلموا أبناءكم بأن يكبروا وهم لا يعرفون جيرانهم ولا يعرفون حقوق الجار، وهي من سنة الرسول الكريم، وواجب علينا أن نسقيها لأطفالنا، ليظل مجتمعنا متماسكاً وغير مهدد بعدم حياته الاجتماعية والعيش في مجتمع غريب حتى في أضيق الدوائر المحيطة بنا.