عندما عُرضت الدراما التركيّة في العالم العربي مدبلجة في العام 2007، ظنّ النقّاد وصنّاع الدراما العربيّة وربّما الجمهور أنّها مجرّد موضة ستأفل كما أفلت موضة المسلسلات المكسيكيّة، إلا أنّ الدراما التركيّة أثبتت اليوم وبعد مرور أكثر من عقد على عرضها عربياً، أنّها باتت جزءاً من البرمجة لا يمكن لأي محطّة الاستغناء عنها.
حتى أنّ المشاهد العربي نفسه لم يعد ينتظر دبلجة المسلسلات التركيّة ليشاهدها، رغم دأب المحطّات العربيّة الكبرى على استيراد المسلسلات وعرضها عربياً مدبلجةً بالتزامن مع عرضها في تركيا، إذ ساهمت المنتديات في عرض المسلسلات مترجمة في نفس ليلة عرضها في تركيا، ما وفّر على المشاهد العربي الانتظار، ومشاهدة أحداث يعرف مسبقاً نهايتها.
هذا الشغف حرّك شركات الإنتاج العربيّة في اتجاه جديد، لتقديم مسلسلات مستوحاة من الدراما التركيّة شكلاً ومضموناً، تجربة باءت بالفشل لأسباب عدّة تلخّص نقاط تفوّق الدراما التركيّة على العربيّة التي تلمع في شهر رمضان فقط وتغطّ في سبات عميق طوال أيام السنة.
-الرايتينغ
يشكو الممثلون في تركيا من سيف الرايتنغ المسلّط على رقابهم، المعادلة واضحة، إمّا أنّ يحقّق المسلسل نسب مشاهدة مرتفعة، وإما أنّ يتدخّل صنّاعه لإنهاء أحداثه بسرعة، كي لا يكلّف المنتجون المزيد من الخسائر.
وعليه يصبح لزاماً على أي جهة إنتاجيّة اختيار أعمالٍ تحظى باهتمام المشاهدين، في ظل المنافسة الحامية، إذ لا تكاد تخلو ليلة في تركيا من عرض خمسة مسلسلات تتنافس فيما بينها على الرايتينغ.
-التصوير في وقت العرض
لأنّ الرايتينغ يتحكّم في استمرار عرض المسلسل، لا تصوّر الشركات المنتجة في تركيا المسلسلات كاملة قبل عرضها، بل تصوّر الحلقات وتعرضها في نفس الوقت ما يتيح لصنّاع العمل إدخال تعديلات عليه في حال سقط في امتحان الرايتينغ.
وقد يلجأ الكتّاب إلى استحداث أحداث جديدة لزيادة جرعة الإثارة، أو إدخال عناصر جديدة على العمل في حال وقع في فخّ الروتين والملل.
ولا يخلو عرض العمل خلال تصويره من مخاطر، إذ قد يتعرّض أحد الممثلين لحادث يرخي بظلاله على المسلسل، كما حصل مع مسلسل "حريم السلطان"، عندما انسحبت بطلته مريم أوزرلي التي كانت تلعب دور "السلطانة هيام" من المسلسل في الحلقات الأخيرة من جزئه الثالث لأسباب صحيّة دفعتها إلى السفر إلى برلين حيث عائلتها دون سابق إنذار.
يومها تمّ تعديل السيناريو جذرياً، وعوّض غياب السلطانة هيام عبر حبكة دراميّة تقضي بخطفها سنوات، قبل أن تعود في المشهد الأخير من الحلقة الأخيرة مع الممثلة فاهيد برتشين.
كما أدّت إصابة النجم التركي أركان بتككيا بكسر في قدمه في الوقت الذي كان يصوّر فيه مسلسل "رقم قياسي" إلى تعديل سيناريو المسلسل، بما يبرّر ظهوره برجل مكسورة خلال الحلقات الأخيرة.
-المشاهد التركي لا يرحم
لأنّ المشاهد التركي يحاسب بشدّة، يحرص صنّاع الدراما التركيّة على تقديم مادّة دراميّة تحترم ذوقه.
لا نجوميّة تشفع للفنان، ولا جمهور يتابع ما يقدّم إليه دون مساءلة مسايرةً لنجمه المفضّل، وعليه فقد سقط في الرايتنغ ألمع نجوم تركيا، وذاقوا طعم الخسارة المرّ في رسالة من الجمهور التركي مفادها أنّ نجوميتكم لن تنفعكم إذا ما قرّرتم المغامرة وتقديم ما لا يليق بالمشاهد التركي.
ومن النجوم الذين ذاقوا طعم الخسارة كيفانش تاتليتوغ الذي أوقف مسلسله "ليث ونورا" في أولى حلقات جزئه الثاني، لأن المشاهد التركي لم يحب الثنائية التي جمعته بالممثلة فرح زينب عبد الله، ولم تفلح فهرية أفجان التي دخلت إلى الجزء الثاني في إنقاذ المسلسل من الفشل.
كما ذاقت بيرين سات طعم الفشل في مسلسل "السلطانة كوسيم" الذي انسحبت من موسمه الثاني، وحلّت مكانها نورغول يشلشاي التي ذاقت طعم الفشل أيضاً، في مسلسل لم تعجب حبكته المشاهد التركي، ولم تشفع نجومية بطلتيه في إنقاذه من الفشل، ولا كونه امتداداً لـ"حريم السلطان" الذي حقّق نجاحاً غير مسبوق في تركيا.
بدوره ذاق أركان بتككيا وسونغول أودان طعم الفشل الذريع في مسلسلهما "رقم قياسي" رغم شعبيتهما في تركيا، كما أوقف الرايتنغ مسلسل "حتى الممات" مع أنجين أكيوريك وفهرية أفجان، ولم تشفع نجومية مريم أوزرلي التي حقّقتها في "حريم السلطان" لها فأوقف مسلسلها "ملكة الليل" مع مراد يلدريم في حلقاته الأولى.
واللافت أنّ معظم المسلسلات التي عرضت في تركيا، ومنيت بفشل ذريع، عادت وعُرضت مدبلجة في العالم العربي وحقّقت نجاحاً كبيراً.
-تنوّع القصص
على عكس الفكرة السائدة من أنّ المسلسلات التركيّة قائمة على قصص الحب والخيانة، فقد تمكّنت الدراما التركيّة من تقديم أعمالٍ متكاملة لا يجمع بينها سوى الاحتراف. وتنوّعت القصص بين تاريخيّة وعاطفية واجتماعية وبوليسية.
وقد نجح الأتراك بفضل حرفيتهم في تقديم دراما تاريخيّة سلسة بعيداً عن السرد الممل واستخراج العبر بطريقة أشبه بالوعظ، ما يبرّر تعلّق المشاهد العربي بمسلسل مثل "أنتِ وطني" الذي يتناول حقبة الاحتلال اليوناني لأجزاء من تركيا، وثورة كمال أتاتورك، رغم أنّ أحداثه قد تبدو في ظاهرها بعيدة كل البعد عن اهتمامات المشاهد العربي، إلا أنّ طريقة السرد، وروعة أداء الممثلين، والقصص الجانبيّة أثرت العمل، وجعلت من العمل التاريخي تحفةً دراميّة يمرّر من خلاله صنّاع العمل رسائلهم بذكاء جمّل صورة السلطنة العثمانية في عيون المشاهدين.
-أداء الممثلين الأتراك
لأنّ الممثل التركي يقع تحت رحمة الرايتنغ والمشاهد الذي لا يرحم، يجد نفسه أمام خيارٍ واحدٍ، تقديم أفضل ما لديه.
وعندما يكون الحكم مشاهد تتنافس شركات الإنتاج على تقديم الأفضل له، تصبح المنافسة مسألة وجود. وعليه ليس في الدراما التركيّة مكان لأنصاف المواهب، بل ممثّلون بمواصفات كاملة.
في الدراما التركيّة، مشهد الممثلة التي تستيقظ من نومها بماكياج كامل ورموش صناعيّة لا وجود له، لا رهان على جمال البطلة، ففي مسلسل "أنتِ وطني" تلعب بيرغوزار كوريل الممثلة الشابة دور أمٍ لثلاثة شباب، بوجه خالٍ من مساحيق التجميل، وملابس بسيطة تنسيك أنّ بيرغوزار كانت على قائمة الممثلات الأجمل في تركيا في أكثر من قائمة هذا العام.
الممثلون في تركيا يأخذون مهنتهم على محمل الجد، الذي دفع بالنجم كيفانش تاتليتوغ الشهير بمهند، إلى التخلّي عن وسامته وإنقاص وزنه 10 كيلوغرامات لتجسيد شخصية الشاعر التركي مظفر أوسلو الذي كان مصاباً بمرض عضال، وهو السبب نفسه الذي دفع بالممثلة الكوميدية جوبسي أوزاي إلى زيادة وزنها 15 كيلو بسبب متطلبات دورها في فيلمها الجديد.
الدراما التركيّة لم تعد موضة يراهن صنّاع الدراما العربيّة على انحسارها، بعد أن حقّقت نجاحاً وصل إلى دول أوروبا الشرقيّة وأميركا اللاتينيّة، فهل تستفيد شركات الإنتاج العربيّة من التجربة التركيّة أم أنّ المسلسلات العربيّة ستبقى مجرّد وجبة رمضانيّة ينتهي مفعولها بحلول عيد الفطر؟
8 أمور لا تصدّقها عن الدراما اللبنانية... القصور وملابس والممثلات والأعمال التاريخيّة
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا أنستغرام سيدتي