لا يُخفى على أحد أن زواج المغربيات من أجانب بات عادياً، بل إن صفة أجنبي أضحت تتربع في صدارة مواصفات فارس الأحلام عند بعضهن، ما جعل بعض الشباب المغاربة يخلقون ظاهرة جديدة؛ ظاهرة «التنكر بجنسيات أخرى»، انتشرت في بعض المقاهي، والفنادق، وحتى بعض الأعراس.
وللتنكر -وهو جمع بين اللباس واللهجة وأحياناً مظاهر الرفاهية- أشكال متعددة، والهدف واحد؛ الفوز بقلوب بنات بلدهم.
شاب طويل القامة، عيون سوداء ولحية «خفيفة»، يلبس لباساً خليجياً ويحمل سِبحة بين يديه «ساكنة لا تتحرك».. تبدو هذه الكلمات وصفاً لشاب ولد وترعرع في أحد بلاد الخليج العربي... إنه مراد، شاب مغربي، يبلغ من العمر 24 سنة. إذا حدثك باللهجة الخليجية، تكاد تقسم أنه لم يفرغ حقائبه بعد من السفر الطويل من الخليج وصولاً إلى المغرب. يدرس التصوير الفوتوغرافي، ويحلم بأن يهاجر إلى دبي؛ ليبدأ حياة أفضل من التي يعيشها هنا بالدار البيضاء (وسط المغرب).
خليجي بالصوت والصورة
يبرر تنكره في اللباس الخليجي بأنه طريقة سهلة لجذب انتباه الفتيات، ويقول: «لا أفعل الكثير، مظهري كفيل بأن أجذب العديد والعديد»، ويؤكد أنه تفاجأ من تصرف بعضهن معه؛ فقط لأنه يظهر بلباس رجل خليجي، كما يضيف أن السبب الرئيسي الذي يجذب الفتيات إليه هو الطمع في ثروة الخليجيين ليس إلا.
ويعترف مراد بأن هناك فتاة التقاها مرة من المرات وكشفته؛ لأنها كانت تدرس معه في الثانوية، وأخرى وقعت في حبه وعرّفته بسرعة إلى والدتها، فقرر الابتعاد بحجة أنه مصاب بمرض مميت.. والغريب في الأمر أنها تشبثت به أكثر!
أما القصة نفسها فتختلف مع رياض (اسم مستعار)، 37 سنة، فهو لا يكتفي باللباس وإتقان اللهجة، بل إنه أصبح يؤجر سيارات فاخرة؛ لتصبح شخصية رياض أكثر تأثيراً وتصديقاً.
يقول رياض إن عدة فتيات لجأن إليه لطلب عقود عمل بالخليج.. حتى إن بعضهن عرضن عليه الزواج -حسب قوله- وعن سبب تنكره يجيب: «إن الظهور بشخصية رياض جاءت بعد أن تركته حبيبته من أجل رجل خليجي، وسافرت معه إلى السعودية».
وأكد رياض أنه لم تكتشف بعد أي فتاة هويته الحقيقية كرجل مغربي، ويرجع ذلك إلى «مهاراته التمثيلية»، كما أسماها.
باب الحارة
أما أيوب، والذي يختار لنفسه اسم «جاد»، فاختار «الأردن وسوريا ولبنان» ليتقن لهجتها...
وعن طريقة تعلّم كل هذه اللهجات يجيب مازحاً: «البركة في مسلسل باب الحارة، والدراما التلفزيونية».
ويضيف: «الحكاية بدأت بمزحة مع أصدقائي.. لكنها الآن أصبحت طريقة سهلة للتحدث مع فتيات جميلات من دون أي صعوبات تذكر».
الشعر الأشقر
تنكّر بعض الشباب المغربي لا ينحصر في خارطة العالم العربي، فبعض «الشقار» وإتقان لغة من لغات القارة الأوروبية كفيل بأن يجعل التنكر ناجحاً. يقول سعيد: «كنت فيما مضى أتصرف مع الفتيات على طبيعتي (شاب مغربي عادي ذو دخل متوسط)، لكنني لاحظت أن أغلبهن لديهن (عقدة الأجنبي)، فقلت: لِمَ لا أتصرف كرجل أجنبي.. فوجدت ردة فعل غير متوقعة إطلاقاً، خاصة أن ملامحي أجنبية (عينان زرقاوان وشعر أشقر)».
وإذا كان هؤلاء قد اختاروا العالم الواقعي، فإن كثيرين اختاروا العالم الافتراضي (اسم مستعار، صورة، بلد ما، كلية درسوا بها، ومكان عمل...وكلمات منمقة) هذا ما يحتاجه المتنكرون على صفحات الشبكات الاجتماعية، خصوصاً الفيس بوك؛ ليقنعوا فتيات بأنهم أجانب أعجبوا بهن وغرضهم شريف.
ماذا تقول الفتيات؟
وعن رأي الفتيات المغربيات عن هذه الظاهرة، تقول حنان بهلول (25 سنة، طالبة): «إن هذا يندرج في خانة العقد النفسية، وأنه حجة لإخفاء ضعف الشخصية».
أما يسرى اللويزي، موظفة، (30 سنة)، فتقول: «إنها متعاطفة مع هؤلاء الشباب، خصوصاً أن الطمع في أموال الأجانب أعمى أعين بعض المغربيات عن أبناء بلدهن»، وتضيف: «ابن بلدي الفقير أفضل لي من ملياردير أجنبي.. فنحن من البلد نفسه، والثقافة ذاتها».
علم الاجتماع
أما عن رأي علم الاجتماع، فعبّر عنه الباحث الاجتماعي يوسف معضور قائلاً: «أعتقد أنها ظاهرة اجتماعية ليست وليدة اليوم، بل ظهرت منذ سنوات، تحديداً عند بداية الثورة الإلكترونية في المغرب وظهور مواقع التواصل الاجتماعي التي تتيح إمكانية الولوج بكل حرية للعالم الافتراضي».
وأضاف أن ما يجعل بعض الشباب يتنكرون لجنسياتهم هي مسألة مرتبطة بانتمائهم إلى بلد يعتقدون أنه لا يوفر لهم العيش الكريم والرفاهية، ولا يوفر لهم أبسط الأشياء، ويعتبرونه أقل وزناً في بورصة الدول، مما يجعلهم متنكرين في جنسيات دول أوروبية ومن أميركا، والتي تتوافر على صورة مقبولة وجيدة في المخيلة الجماعية للمغاربة، وأن تلك الدول عبارة عن فردوس وفضاءات الرقي والعيش الكريم والرفاهية الاجتماعية وبلاد الحريات والأمن والأمان.
«لذلك يلجأ بعض الشباب إلى التنكر في تلك الجنسيات التي تتيح إمكانية التخفي، وإعطاء الصورة التي يريدها الشاب عن نفسه، ويفسر ذلك بخلل على مستوى الثقة في النفس، وعدم حصوله على مؤهلات تمكّنه من القيام بنوع من (الماركتينغ الاجتماعي)؛ يسوق من خلاله إمكاناته ومؤهلاته وتطويرها ومحدودية عطائه الفكري، ما يجعله يستعين بتقمص جنسية بلد أوروبي أو أميركي أو خليجي، يسد من خلالها النقص الحاصل لديه».