مصائب تختبئ وراء ستار "الرقية الشرعية"

مما لا شك فيه أنّ الرقية الشرعية سنة نبوية بألفاظ وأوراد مخصوصة معلومة مستقاة من القرآن الكريم والهدي المحمدي، ولطالما كان استخدام الرقية الشرعية من الوسائل المحببة والناجحة في التعامل مع المرض والحسد والوساوس، ولكن اليوم اختلط الحابل بالنابل من قبل أنصاف المتعلمين، وهم من يحفظون المتون والعلوم ثم يفسرونها على أهوائهم من دون التثبّت أو العودة لحقيقة النصوص نفسها وإلى شروحها العلمية الموثوقة الصحيحة، حتى صارت الرقية الشرعية ستاراً للنصب وارتكاب الكثير من المصائب وكأنها وهماً يباع لواهمين من دجالين.

حول هذا الموضوع الشائك يخبرنا المستشار الأسري والاجتماعي عبد الرحمن القراش قائلاً: "يؤلمني كثيراً عندما أسمع أو أقرأ عمن يتاجر بأعراض الناس من خلال الرقية الشرعية ليس ألمي بسبب عملهم ولكن بسبب طريقة تعامل بعضهم، وطريقة استغلالهم مواجع الناس ببشاعة سواء كان مادياً أو معنوياً أو جسدياً فكثير ممن دخل هذا الباب - والله أعلم بنيته - قصده التكسّب ولكنه يقع في شر أعماله من خلال تعرضه لعدة فتن منها:

- فتنة المال: حيث يكثر عنده من جيوب هؤلاء المساكين سواء بحق أو بدون حق .
- فتنة النساء: حيث قد يختلي بهنّ، ويراهنّ في أوضاع سيئة وتكشّف فتدفعه لأفعال مشينة باسم الرقية .
- فتنة الشهرة: من خلال اللقاءات الإعلامية وحديث الناس عنه فيحيد عن طريق الصواب .

وكل تلك الأعمال جاءت بسبب قلّة العلم وسطحية التدين. فتجد بعض من دخل هذا المجال وصل إلى درجة كبيرة من الوهم بأنّ كل ما يصيب الإنسان من أقدار الله وراءه الجن، بل تعدى الوهم إلى أن يقول أحدهم: "أسلم على يدي أو اهتدى جني، وهو الآن يساعدني في حل مشاكل الناس".

تقاليع جديدة في الرقية الشرعية:

المضحك المبكي ظهور تقاليع جديدة لعمل الرقية الشرعية اليوم، فقد ابتكر بعض هؤلاء القراء طرقاً جديدة لم تعرف في زمن السلف الصالح - رضي الله عنهم جميعاً- ومنها:
1/ ما يسمى بالقراءة الجماعية الاستكشافية من خلال فتح مكبرات الصوت والنفث على الجميع، وهذا مخالف للعقل والمنطق والفائدة المرجوّة، ثم عزل كل مجموعة من المرضى لوحدهم والقراءة عليهم، ثم عزل كل مريض والقراءة عليه لوحده وهذا الأمر منكر جداً للأسباب الآتية:
•اختلاط السليم مع المريض النفسي والمريض العضوي، وربما تعرض السليم لما أصاب غيره ممن حوله من ذوي الإيذاءات والابتلاءات الشيطانية.
•وردود الأفعال من هلع وصراخ وضحك وبكاء وفوضى يعيشها الناس في المكان بين هرج ومرج لا يليق بمجالس ذكر الله تعالى، ويتحول المكان من مكان آمن يُتلى فيه القرآن والحديث إلى مكان رعب وخوف وارتباك.
•فضح المريض وهتك أسراره ويصبح حديث الناس، وربما تنكشف عورته أو عورتها أمام الآخرين.

ولو قارنا بين ثمار النفع ونسبة الضرر لوجدنا أنّ القراءة الجماعية ليست فيها نسبة تذكر بينما الرقية الشرعية الفردية أنفع وأضبط وأقرب للشرع منها إلى الفوضى التي تعم.

2/ الصعق الكهربائي للمريض.
3/ عرض المريض على (ذئب) موجود لدى الراقي لأجل إخراج الجني.
4/ تحسس جسد المرأة أو ضربها بحجة العلاج.

ضرورة الضبط والرقابة:
ويرى القراش الحل في أن توضع لممارسة الرقية الضوابط والأصول التي تضبطها وتحكمها، فلابد من دخول لجنة مشتركة من (الصحة، والأوقاف، والداخلية والشؤون الاجتماعية) لمراقبة البلاد والعباد، ووضع ضوابط للرقاة حتى لا تستغل من قبل ضعاف النفوس وأهل الأهواء والسحرة والمشعوذين فكما قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه: "الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة".

هذه الطقوس والبدع والضلالات، التي تجري باسم الدين ومعظمها تحت مسمى التجربة والاجتهاد، هي غير قائمة على الاجتهاد أو التمسك بالقواعد والأسس الشرعية السليمة. وللأسف وللأمانة العلمية وجد من أولئك الرقاة من لديه إجازات بالرقية من بعض العلماء الأجلاء لأنّ بداياتهم كانت صحيحة، ومع الاستمرار بالاجتهادات الشخصية انحرف بعضهم بتجاوزات كثيرة وخزعبلات مخالفة للمنهج الإسلامي، وسببها عدم وجود الرقابة عليهم، والثقة بالقوالب التي يظهرونها باسم التدين والدين منهم براء، والشهرة التي حصلت لبعضهم والتكسّب بطرق غير مشروعة من خلال بيع المياه والزيوت – الله أعلم – هل تم القراءة عليها أو فقط يبيعون الوهم من خلالها".