بحضور عدد من المثقفين والفنانين والإعلاميين، أقام ملتقى "جسور"، الذي ينظمه فرع جمعية الثقافة والفنون في الرياض، ويشرف عليه صالح الخليفة, أمسية ثقافية بعنوان "قال لي طارق"، قدمها الفنان والإعلامي طاهر بخش.
واختار بخش الموسيقار الراحل طارق عبدالحكيم للحديث عنه خلال فترة ملازمته له، وكشف بعض الأسرار الفنية التي حدثت في ذلك الوقت.
وبدأت الأمسية باستعراض تقرير مرئي للحضور، أعده المخرج بدر بخش، تحدث فيه عدد من الفنانين ممن تعاونوا فنياً معه، من أبرزهم الفنانة اللبنانية هيام يونس، والدكتور الفنان عبدالله رشاد، والفنان عابد البلادي، والشاعر ضياء خوجة.
قدم بعدها سرداً لمشوار الفنان الراحل، الذي استمر أكثر من أربعين عاماً، استعرض من خلالها مرحلة طفولته، ثم التحاقه بالجيش السعودي ضابطاً في سلاح المدفعية المضادة للدبابات.
وكشف بخش قصة ابتعاث الراحل للدراسة، حيث تعلم في تلك المرحلة كيفية تأسيس فرقة موسيقية عسكرية، تواكب البناء الحديث للجيش السعودي الناهض, ونقل على لسان الراحل كيفية اختياره ليكون أول دارس للموسيقى، وليصبح فيما بعد المؤسس الأول لفرق الموسيقى العسكرية في الجيش السعودي، كما وضع أسس أول فرقة موسيقية بالشكل المتعارف عليه حالياً المصاحبة للمطربين.
وكان الراحل قد تعرَّف في الكلية الحربية بزملاء كانوا يعزفون على العود والكمان في منزل حسن سرور الصبان باعتباره من أهل مكة ميسوري الحال, وكان ملماً بهذه الآلات, وكانوا يتناولون عنده الغداء والعشاء، ويعزفون ويغنون خلال العطلة الأسبوعية، ثم يعودون إلى الكلية وهكذا لمدة طويلة, وبعد أن أصبح معروفاً في أوساط زملائه، بدأ يقيم في الخفاء بعض الحفلات الخاصة لهم, ثم تطور الأمر إلى عمل حفلات للأهالي, ومن هنا أصبح معروفاً للجميع بأنه يعزف على العود، ويغني، وعندما أرادت وزارة الدفاع أن تبتعث ضباطاً لدراسة الموسيقى أجمع الضباط على أن طارق عبدالحكيم هو المؤهل لذلك, فاختاروه لهذه المهمة, وكان ذلك مؤلماً له، إذ كيف يكون ضابط مدفعية، وقائداً برتبة نقيب، ويضحي بذلك مقابل أن يدرس الموسيقى، وتذكر كلمات الأمير منصور بن عبدالعزيز، وزير الدفاع حينها له: "اذهب وتعلم الموسيقى لأنه سيأتي يوم تحال فيه إلى التقاعد، ولن تستطيع أن تبيع مدافع الجيش في السوق, وسيكون لك في الموسيقى شأن كبير"، عندها لم يكن أمامه فرصة للتراجع، فسافر إلى مصر والتحق بموسيقيي القوات المسلحة المصرية، وكان أغلبهم على علم بالموسيقى العسكرية والنوتة الموسيقية، بينما كان الراحل لا يعرف سوى آلة العود فقط، وغير ملم بالنوتة والمارشات العسكرية, فقالوا له: اترك هذا العود على جنب، فأنت في حاجة إلى قواعد ونظريات موسيقية لتتعلم كيف تلحن الأناشيد وتؤلف المارشات. لم يكن الراحل يرغب في تعلم الموسيقى العسكرية, لكن بحكم أنه مبتعث من وزارة الدفاع، ويجب أن يفعل ذلك، إضافة إلى أن الصحف المصرية نشرت بأنه قد جاء "يوزباشي سعودي" لا يفقه شيئاً في الموسيقى سوى العزف على العود سماعياً، ولا يعرف من النوتة سوى نوتة الجيب "المفكرة"، أصر عبدالحكيم على أن يغيِّر وجهة نظرهم عنه، فبدأ الدراسة بعزم، وأحضر مدرسين خصوصيين يعلمونه في المنزل، وخلال العام كانت تقديراته ممتازة في النوتة، واختار آلة "الأكسليفون"، وهكذا دخل الموسيقار الراحل طارق عبدالحكيم ميدان الموسيقى العسكرية الواسع, لكنه لم يهمل رغبته في الغناء والتلحين فالتحق بمعهد الموسيقى العربية على حسابه الخاص, فكان يدرس في الجيش صباحاً وفي المعهد مساءً، يتعلم أصول الموسيقى الشرقية، وتخرَّج الأول على مجموعته، ثم عاد إلى السعودية، وكلِّف بتأسيس مدرسة موسيقى الجيش. في بداية التسعينيات الهجرية، تمت الاستعانة به لتأسيس معهد موسيقى الأمن العام، والإشراف على معهد التربية البدنية، لكونه عمل مديراً لنادي ضباط الجيش لمدة، فأسس معهد موسيقى الأمن العام مستعيناً بعشرة مدربين من مصر, وعندما التحق بالجمعية التي كان يرأسها في ذلك الوقت الأمير بدر بن عبدالمحسن كلِّف بأن يكون مختصاً في إدارة الفنون الشعبية, فانتقل إلى الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وأمر الأمير فيصل بن فهد بأن تكون هذه الإدارة مختصة في المهرجانات والمناسبات, ثم ألحق بها عدداً من شباب الأمن العام, وشاركت هذه الإدارة في عشرات المهرجانات الدولية، وخرجت الفنون الشعبية إلى العالم الخارجي تحت إشراف الأمير فيصل بن فهد, الذي كان يرعى الفنون في السعودية, ثم طلب من الدكتور صالح بن ناصر، وكيل الرئيس العام لشؤون الشباب أن يسمح له بعد هذا الجهد الذي امتد من عام 1356هـ، بالتقاعد, فأمر الأمير فيصل بأن يكون خبيراً للفنون الشعبية، وتم تعيينه في جدة تقديراً لظروفه على أن يشارك في المناسبات والمهرجانات والمؤتمرات الفنية.
ثم تناول بخش في ندوته قصة اللقاء الأول الذي جمع الفنان الموسيقار طارق عبدالحكيم بالفنان محمد عبده، كما رواها له فقال: كنت في الرياض وجاء إلي الشاعر إبراهيم خفاجي، والشاعر ناصر بن جريد، ومعهما شاب قدموه لي باسم محمد عبده, فأمسك العود، وأسمعني بعض أغنياته، فأعجبت به، وقلت لناصر بن جريد: اكتب كلمات، وأنا ألحنها له. فأعطاني "سكة التايهين"، وكان إبراهيم خفاجي قبلها قد أعطاني أغنية بعنوان "يا للي ما فكرت في روحي .. يا للي يهناك نوحي"، فقلت له: إنني متنازل عنها لهذا الشاب. وغناها في الإذاعة، وكان أول لحن أعطيته لمحمد عبده, بعدها قررنا أن نقدم "سكة التايهين" في التلفزيون الذي كان يقدم مسارح التلفزيون, فذهبت إلى وزير الإعلام جميل الحجيلان، فقلت له: لدي شاب صوته جميل، وسيكون له مستقبل رائع. فقال الوزير: قدمه على مسؤوليتك. وقدمناه من خلال هذا اللحن, وبعدها أعطيته "لنا الله, ولا تناظرني بعين"، ومجموعة أغنيات أخرى، ثم انطلق في طريقة حتى أصبح اليوم من مشاهير الفنانين في العالم العربي. بعدها فتح المجال لبعض الفنانين الذين ربطتهم علاقة بالموسيقار الراحل، حيث تحدث كلٌّ من الفنان سمير مبروك، والفنان سعد خضر، والفنان ناصر الميمون عن بعض المواقف والأدوار التي لعبها طارق عبدالحكيم في مسيرتهم الفنية، وتميزت بالحب والإخلاص والشدة في بعضها، وأجمع الجميع على أنها كانت سبباً في حبهم للموسيقى والغناء.
قدم بعدها الفنان الملحن عبدالعزيز شرف مقطوعة موسيقية على آلة العود إهداء لجمهور الموسيقار الراحل.
واختتمت الأمسية بمشاركة كل من الفنان عبدالله شرف، وخالد عبدالرحيم بعدد من أغاني الراحل الموسيقار طارق عبدالحكيم, بقيادة الفنان والملحن سمير سعيد الذي صاحبهم على آلة الأورغ, وحظيت هذه المشاركة بتفاعل كبير من الحضور.