عندما تقرر حضور مناسبة في أي مدينة حجازية لابد لأذنيك أن ترقّ إنصاتًا واستماعًا لـ الجسيس، الذي غالبًا ما يفتتح المناسبات بالمجس الحجازي، وهو عبارة عن أبيات فصيحة يُمَوِلها منْ يقول الموال بصوته المميز؛ لترى جميع الحضور منصتين باندماج تام، وفي نهاية كل مقطع يرددون كلمات الاستحسان «الله الله» «ياسلااام».
ما هو المجس الحجازي؟
اختلف معنى المجس بين المؤرخين والباحثين والفنانين الذين اشتهروا بتأديتهم لهذا النوع من الفن.
- المجس مأخوذ من جس طبقة الصوت
تحدثت «سيدتي» مع الكاتبة والباحثة في التراث د. هند باغفار؛ لتبين لنا بأن المجس هو نوع من أنواع الموال العربي الذي بدأ إبّان العصر الإسلامي، وتقول: «أُخذت كلمة «مجس» من الجساس، وهو المنشد الذي يؤدي أناشيد الزيارة للمدينة المنورة، والذي ينشد في المولد النبوي، والذي ينشد أيضًا في الأعراس لمديح العروسين والدعاء لهما، ومعنى جسّاس أو مجس مأخوذة من «جسّ» أي اللمس باليد أو الفحص، وربما تكون كلمة مجس مأخوذة من ذلك؛ لأن المنشد يجس طبقة صوته؛ حيث جرت العادة بافتتاح الموال من طبقة منخفضة، ثم ترتفع تدريجيًا إلى طبقة عُليا أو العكس، وتُجس طبقات الصوت واختبارها لكل مؤدٍ يُعتَبر أقرب إلى البداهة والفطرة اللتين اكتشفتا الغناء الشعبي القديم».
- المجس مأخوذ من جس النبض وله شروط
فيما أوضح لـ«سيدتي» الجسيس هاشم باروم -وهو من أشهر جسيسي الحجاز في الوقت الراهن- أن المجس مأخوذ من جسّ النبض.
وقال: «هو جس نبض الحضور بالنغم والمقام الذي يطلقه الفنان؛ إذا أعجبهم أكمل وإن لم يعجبهم ينتقل بكل فن واحترافية لمقام آخر، والمجس له شروط فيجب أن يقال بلغة عربية فصحى، ويكون مُقفى وموزوناً، ويُؤدى بأداء موال حجازي، ويجب أن يكون بالمقامات الحجازية، وحقيقةً أن كلمة «مجس» لم تسبق الستين أو السبعين عامًا فهي كلمة حديثة لفن الموال».
الجسيس والمقامات الحجازية
يفيد باروم بأن الجسيس يجب أن يكون متقناً ودارساً للمقامات الحجازية، التي تُعرف بمجموعة في كلمة مختصرة «بحمر دسج» أي (ب- بنجاكاه) و(ح-حراب) و(م-مايا) و(ر- رست) و(د-دوكا) و(س- سيكا) و(ج- جهاركاه).
ويقول: «يحب أن يؤدي الجسيس المقامات بأسلوب احترافي صحيح، وغالبًا ما يكون في الأفراح ومجالس المولد النبوي والصلاة على النبي «صلى عليه وسلم»، وهذا الفن لا يوجد سوى في الحجاز خصوصًا في مكة وجدة والمدينة المنورة».
أشهر أعلام المجس الحجازي في السعودية:
- حسن لبني
- حسن جاوا
- عبدالرحمن مؤذن والمعروف بالأبلاتين
- علي شيخ
- محمد أمان
- زيني بويان
تغييرات سلبية كبيرة حصلت للمجس الحجازي
وحول التغيرات والتطورات التي أصابت المجس في الوقت الحالي بيّن باروم أن «المجس الحجازي طرأ عليه تغيرات سلبية كبيرة جدًا أهمها عدم الالتزام بشروط المجس السالف ذكرها، وأصبح يؤدى بلغات أخرى غير اللغة العربية كالإنجليزية مثلاً، وبلهجة أحيانًا غير فصيحة؛ لتدخل العامية والعراقية وغيرها، ولا تكون القصيدة في الأغلب مقفاة أو موزونة»، أما عن التطور الإيجابي فيقول باروم: «التطور يحدث من الجسيس نفسه من خلال تطوير أدائه وثقافته وبراعته بالتنقل بين المقامات».