مدرسة غريبة من نوعها في ماليزيا لكنها ليست للبشر، وإنما للحيوانات، وتحديداً للـ«قردة»، وهدفها تدريب وتعليم هذه الحيوانات الذكية، على كيفية مساعدة المزارعين في أعمالهم الزراعية، وعلى وجه التحديد في مواسم الحصاد؛ حيث يتم تعليم قردة «المكـاك» الصغيرة، الإمساك بإحدى ثمار جوز الهند المعلقة على قطعة خشبية قرب الشجرة، والاستعانة بها لهز الشجرة؛ حتى تقع الثمرة أرضاً.
ونقلاً عن وسائل إعلام ماليزية، فإن هذه المدرسة الفريدة من نوعها، عملت على تدريب عشرات الآلاف من القردة على جني المحاصيل خلال أكثر من أربعين عاماً مضت، وذلك على يد رجل ملقّب هناك بـ«الجــدّ وان» في بلدة «بادانغ هالبان» الصغيرة في شمال البلاد، وتابعت وسائل الإعلام: إن العديد من الأشخاص من مختلف أنحاء ماليزيا، يرسلون قردتهم إلى هذه المدرسة الشهيرة؛ حيث توضع سلاسل صغيرة حول عنق الحيوان لتدريبه، على تسلق شجر النخيل وقطف حبات جوز الهند عنها، وذلك مقابل بدل مالي بسيط يعطونه للـ«جدّ وان».
وكان تدريب قردة «المكاك»، قد أثار في وقت سابق، موجة احتجاجات واسعة في أوساط مجموعات الدفاع عن الحيوانات، التي كانت قد نددت بقساوة هذه الممارسات على القردة الصغيرة، غير أن «الجدّ وان» يشدد على أنه يحسن معاملة «تلاميذه» بشكل جيد ويعتني بهم.
و«الجدّ وان» البالغ من العمر 63 عاماً، واسمه الحقيقي هو «وان إبراهيم وان مات»، الذي يدرّب قردة الـ«مكاك» من نوع ذيل الخنزير المتوسطة الحجم والمنتشرة بكثافة في ماليزيا وجزء من إندونيسيا وجنوب تايلاند، في حيّز مخصص لهذه التمارين، مؤلف من أشجار نخيل ومنصات خشبية تعتليها القردة، يقول إن هذه القردة هي بمثابة أولاده، وإنها عندما تُسقط حبات الفواكه لتصل إليه، تكون بهذا الشكل، تعبر له عن حبها.
وبدأ الـ«جدّ وان» بتدريب قردة الـ«مكاك»، عندما كان في بداية الثلاثينات من عمره، وذلك حين رأى قردة تتسلق أشجار النخيل لقطف ثمارها، وكان الأمر مجرّد هواية لديه، لكن سرعان ما ذاع صيته، وبدأ الأشخاص من مختلف مناطق البلاد يرسلون إليه قردتهم ليدرّبها؛ حيث إن ثمار «جوز الهند» تعتبر محور تجارة نشطة في ماليزيا المدارية، التي تنتج 700 مليون حبة من هذه الفواكه كلّ عام، وفيها عدد لا يحصى من المزارعين الصغار الذين يستعينون بالقردة لأعمال الحصاد الشاقة.
وصرح هذا الأستاذ والمعلم الفريد من نوعه، بأنه قد تتراوح الفترة اللازمة لتدريب هذه الحيوانات بين بضعة أيام حتى تصل إلى شهر أحياناً، بحسب قدرة القرد نفسه وذكائه، وعندما يصبح القرد جاهزاً للقيام بهذه المهام، يمكنه أن يقطف 800 حبّة جوز هند في اليوم الواحد، ويعتبر «الجدّ وان» أن الكلفة المحددة لهذه الدورة التدريبية تصل إلى 150 رينغيت ماليزي، أي ما يعادل قرابة الأربعين دولاراً أمريكياً، هي منصفة ومنطقية بحسب ما يراها.
وتتكون هذه الدورة التدريبية من عدّة مراحل، أولّها تمرين القردة على هزّ جوز الهند المعلّق على شجرة، في محاكاة لعملية قطف الثمار، ثمّ تدريبهم على سحب الثمار، ومن ثم تتمرّن أخيراً على تسلّق هذا النوع من الشجر، ويشيد «مات علي زكريا»، وهو مالك مزرعة لجوز الهند في بلدة «بادانغ رنغاس» على بعد أكثر من 300 كيلومتر عن «بادانغ هالبان»، بأسلوب «الجدّ وان» في تدريب هذه الحيوانات، ويقول: «رأيت آخرين يدرّبون قردة الـ«مكاك»، ويرمون الحيوانات في النهر إن لم تقطف الثمار».
ويدرك «وان إبراهيم» أنه لا محال من وقف هذه التمرينات يوما ماً، ولذلك فهو قد خفف من وتيرة العمل منذ ما يقارب العامين، عندما أصيب بجلطة في وقت سابق، وبات اليوم يتنقل بواسطة عصا، بالإضافة إلى أن لا أحد من أولاده الخمس، كان قد أبدى اهتماماً في تعلم هذه المهنة والعمل بها، لكنّ «الجدّ وان» يطمئن المزارعين قائلاً: إن مدربين كثيرين غيره ينشطون في ماليزيا.
أما بما يخص جمعيات الرفق بالحيوان في الوقت الحاضر، فلا تعترض «شيناز خان»، وهي رئيسة الجمعية الماليزية لرفاه الحيوانات على هذه التمرينات، طالما أنه لا يتم التعامل معها بشكل عنيف وقاسٍ؛ لكنها تشير إلى نقص في سبل مراقبة الحيوانات عند انتقالها إلى سوق العمل، متسائلة: «من سيؤمن الحماية لهذه الأيدي العاملة؟».