في واقعة أثارت مشاعر الغضب والاستغراب في الشارع الإماراتي، الذي يعرف عنه عمق ترابطه وتلاحمه الأسري استنكرت عناصر مجتمعية إقدام شابة إماراتية، تبلغ من العمر 26 عاماً، على الاعتداء على والديها بالضرب، وشتمهما بالألفاظ النابية، التي تطال أمواتهم .. فكيف وصل بهم الحال إلى هذه النتيجة؟
فصول المأساة تكشفت بعد أن عجز الوالدان عن تحمل كل صنوف الأذى من ابنتهما العاقة، فقدما بلاغاً في مركز شرطة الراشدية يستجيران من خلاله بالأمن لحمايتهما منها.
الأم التي تبلغ من العمر44 عاماً خرجت عن صمتها متحدثة: ابنتي دائماً تقوم بالاعتداء عليّ وعلى أبيها بالضرب، وتتأخر خارج المنزل حتى منتصف الليل، وتابعت: «حتى أقاربنا، أو أي شخص يزورنا لم يسلم من اعتداءاتها، ولم يسلم منها جداها لوالدها، ووصل بها الأمر لأن تحرض أختها التي تبلغ من العمر 22 عاماً، على ضربنا".
منتصف الليل
يوم التبليغ في المركز عادت الفتاة بعد منتصف الليل، وعند استفسار الأم عن سبب تأخرها ردت عليها: «هذا ليس من شأنك» ولحقتها إلى غرفتها، وبدأت بضربها على ظهرها، تتابع الأم: «ركزت على ظهري؛ لأنه سبق وأجريت عملية فيه، فاستنجدت بأبي وأمي، جديها، وبمجرد وصولهما شرعت في شتمهما ورمي كؤوس الزجاج عليهما. في تلك الأثناء حضر زوجي، والدها، فأخذت بشتمه أيضاً، وهو رجل مريض، وأصيب بشلل لفترة طويلة، ولا يستطيع الحفاظ على توازنه، ولوقفها قام هو بضربها على فمها فطلبت الإسعاف، وهكذا تم إيصال صوتنا إلى الشرطة التي فتحت بلاغاً بالواقعة».
فضيحة
الأمل الذي تعيش الأم من أجله، كما تقول، هو صغيرتها التي تبلغ من العمر 18 عاماً فهي من تدافع عنهما، هي وزوجها، تعلّق: «الله عوضنا بها، ووضع في قلبها كل حنان العالم».
لكن الفتاة المعتدية على والديها تنكر كل ما قيل، وتتهم والدتها بتشويه سمعتها في العمل، وأنها -أي الأم- «راعية مقاهٍ، وشيش، وبارات، وبدون شرف!»، وهذا ما أنكرته وتألمت له الأم الضحية، والوالد رجل مريض أصيب بجلطة دماغية أقعدته، ولا يستطيع أن يدافع عن نفسه وعن زوجته من بطش ابنته، ورغم كل ما تتسبب به من ألم وعذاب لهما لم يفكرا في رفع أي دعوى بحقها؛ خوفاً عليها من الحبس، ومن الفضيحة والعار الاجتماعي الذي سيلاحقها، ويلاحق أخواتها مدى العمر، يتابع الأب: «لديّ بنات غيرها، وهذه الفضيحة قد تقضي على مستقبلهن، وتجعل أي شاب يفكر بالارتباط يبتعد عن هذه الأسرة الموسومة بالعار، ما يعني القضاء على حلمهن بالارتباط وتكوين أسر».
كاذبون
كل ما قيل من قبل أبيها وأمها، اعتبرته الفتاة افتراء، وتابعت: «هما من اعتديا عليّ بالضرب مستعينيْن بجدي وجدتي، وشتموني بأصعب الألفاظ، ومنها «راعية شباب، وراعية مقاه ومراقص»، وهو ما أرفضه تماماً.
وتتهم والديها، حسب ادعائها أمام النيابة العامة في دبي، بأنهما يرغبان بطردها وشقيقتها حنان التي تساندها من المنزل دون رجعة....
الشرطة تواصل تحقيقها، والأسرة تلملم جراحها، وتعود إلى المنزل معلقة: عندما يتحول الجاني إلى مجني عليه ويفتري ويدعي عليك تصبح الدنيا عديمة الجدوى والفائدة.
تنازل الأهل
عقوق الوالدين الذي ظهر، وانتشر، وتعددت أشكاله وألوانه يدل من وجهة نظر نخب مجتمعية وحقوقية وتربوية على أنه انحراف خطير في المجتمعات عن شريعة الله تعالى، والتي جعلت الجنة تحت أقدام الأمهات، فلن يدخل الجنة عاقٌ لوالديه، ففي الحديث: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث. وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان بما أعطى».
وكانت المناداة بتشديد العقوبات وتغليظها في قضايا عقوق الوالدين، وعدم التساهل فيها، وذلك بفرز المحكومين في قضايا عقوق الوالدين، وتشغيلهم في دور كبار السن لخدمة هذه الفئة كعقوبات بديلة مصاحبة لعقوبة السجن.
حيث تتصاعد الشكاوى المتعلقة بترك بعض الأبناء لوالديهم في دور العجزة، كما يكشف أستاذ علم الاجتماع في جامعة الشارقة الدكتور أحمد العموش، ويتابع: «عقوق الوالدين من أكبر القضايا التي تمر بها بعض المجتمعات العربية، فلابد من وضع تشريعات صارمة تحمي سلوك المجتمع ككل لمواجهة هذه الظاهرة، ولا يسمح فيها بالتسامح أو التنازل من قبل أصحاب الحق».
عقوق الوالدين من وجهة نظر منى شهيل، تربوية في وزارة التربية والتعليم، مدخل رئيس للتفكك الأسري وانهيار المجتمع بأسره، وأهم أسبابه الجفاف العاطفي، وندرة المودة والرحمة بين الزوجين، وتعدد المشاكل وتكرارها نتيجة الاختلاف، والذي هو الآخر نتيجة للاختيار غير الموفق وغير المدروس، تعلّق: «هذا أهم ما يورثه الآباء والأمهات لأبنائهم، فمن شب على شيء شاب عليه».
صلوا أرحامكم
الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الحداد (كبير مفتين) مدير إدارة الإفتاء بدبي لم يجد مجالاً للفصال في بر الوالدين، فالنصوص الشرعية واضحة، ولو وصل الأمر بأن يرفض الأب رؤية الابن فلزاماً على الأبناء أن يصلوا أرحامهم بالطرق الأخرى غير الزيارة كالاتصال، وإرسال الهدايا ونحو ذلك؛ حتى لا تقعوا في إثم العقوق.