يقول الموسيقار أرنست ليفي: «ستبدأ الإنسانية بالتحسن عندما نأخذ الفن على محمل الجد كما الفيزياء أو الكيمياء أو المال»، ويقول الرسام بيكاسو: «الفن يمسح عن الروح غبار الحياة اليومية».
من تلك الأقوال، نرى أن للفن مفاتيحه السحرية التي تُحسن وتهذب وترقى بالإنسانية، سواء كإنسان فنان أو كشعب متلقٍ للفنون بقصد أو بدون قصد، فالشعوب التي كانت حضارتها وتاريخها وثقافتها ترتكز على الفنون، لها ذائقة مختلفة في الإبداع والإنجازات في مختلف نواحي حياتها، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية، ولك أن تتأمل بعض الدول والشعوب، وأبرز من غيروا ملامح وعلوم العالم والنظريات البشرية؛ من أين أتوا؟!
اليوم العالمي للفن
لأن للفن هذه الأهمية الكبرى، قررت الرابطة الدولية للفنون IAA أن يكون يوم ١٥ أبريل هو اليوم العالمي للفنون، وانطلق أول احتفال بهذا اليوم عام ٢٠١٢، وتم تحديد التاريخ؛ تكريمًا للفنان ليوناردو دافنشي، حيث يوافق يوم ميلاده، وكان اختيار دافنشي كرمز للسلام العالمي.
الفنان والفن في السعودية
بمناسبة اليوم العالمي للفن، التقت «سيدتي» بعدد من الفنانين في مجالات مختلفة؛ لنعرف ما إذا كان للفن دور في تغيير شخصياتهم وذواتهم؟ ورأي البعض منهم في تأثيره على المجتمع، والتوجه الجديد للدولة الذي تسعى من خلاله للاهتمام بالفن تماشيًا مع خطة التحول الوطني ورؤية ٢٠٣٠، خصوصًا بعد تصريح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في آخر لقاء له مع مجلة «التايم» الأمريكية، حيث قال: «أنا أحب الفن، وأؤمن بأن أي شخص يمتلك ذوقًا رفيعًا يجب أن يحب الفن ويقدّره».
على الصعيد الشخصي «الفن هو الخلاص»
يرى الفنان التشكيلي مهنا طيب أن الفن هو السبيل للخلاص والتطهير للعديد من المشكلات، وفي لقاء خاص لـ«سيدتي»، كشف أن أسلوبه الحالي في الرسم، الذي يلاقي اليوم رواجًا كبيرًا داخل السعودية وخارجها، بُنيت شخوصه وكائناته مما حواه داخل مهنا، وقال: «لأتخلص من مشكلة، كنت أحاول أن أخرجها من داخلي إلى سطح العمل الفني، أشياء كثيرة تخلصت منها بالرسم، استطعت أن ألقي بكل عللي الداخلية على ثلاثة مستويات، فمثلاً الجسدية؛ لديّ لوحات عن معاناتي مع القولون والصداع وضرس العقل والحصوة الكلوية، وأيضًا عالجت مشاكل روحية كالحب والمناجاة، ومشاكل متعلقة بالعقل والتفكير؛ فقمت بعدد من الأعمال التي حلّت لي ما كان متعلقًا بالماضي، وتجارب سيئة بالحاضر، والخوف من المستقبل».
على الصعيد الاجتماعي «الفن أسمى لغات الحوار»
تحدثت «سيدتي» مع الموسيقار علي خفاجي، بداية، عن أثر الموسيقى وممارستها كفن على شخصيته، فشخصيته كما يعرفها الجمهور تعطي انطباعًا بالهدوء والسلام الداخلي العالي، فهل للعزف يد بذلك؟ ليجيب: «الموسيقى قللت من حدة طباعي، هذبتني، وسمت بروحي، ولها دور في تطوير ذكائي الاجتماعي وطريقة تعاملي مع الآخرين، وغالبًا أجد راحة كبيرة بعدما أعزف على البيانو، فالبيانو صديقي الذي ألجأ إليه».
وعن توجّه الدولة الجديد نحو الفن، قال: «نستطيع أن نحكم على ثقافة مجتمع وفكره عن طريق فنه، فالمجتمع المثقف يتعامل مع الفن على أنه أسمى لغات الحوار».
شعب بلا فن كمسخ بلا ملامح
هذا ما قالته هند الفهاد، مخرجة وصانعة أفلام سعودية، حازت على العديد من الجوائز، حينما طرحت عليها «سيدتي» ذات السؤال عن الفن وتأثيره، فعلى المستوى الشخصي تقول: «ساعدني الفن على التواصل مع نفسي، ففكرة التعبير من خلال الصورة السينمائية هي خلق حالة تود إيصالها للمشاهد، فيجب على تلك الحالة أن تعبر روحك، أستطيع أن أقول: هند قبل صناعة الأفلام مختلفة جدًا عن هند بعدها، فحساسيتي أصبحت أعلى نحو التفاصيل من حولي والتعبير لديّ أصبح أعمق»، وعن تأثيره بالمجتمع وجعله اليوم ركيزة لبناء الثقافة السعودية الجديدة، قالت: «الفن هو بوابة لقراءة الشعوب، فالشعب بلا فن كالمسخ بلا ملامح، الفن هو حفر في الذاكرة، ومهم لنحكي للعالم ونقول: نحن هنا وهذه هويتنا وتفاصيلنا».
أول مقهى ثقافي فني بجدة
عاد عبدالله الحضيف من أستراليا، بعد بعثته، واستقر بمدينة جدة، وبعيدًا عن تخصصه الجامعي، استيقظ شغفه القديم الجديد بالفن؛ ليرى حاجة المجتمع الماسّة والتعطش للثقافة والفنون، بعد حرمان دام ٢٠ عامًا بسبب التشدد الديني، وافتقار البلاد لملتقيات ثقافية فنية، عدا تلك الجمعيات التي وصفها، حسب رأيه الشخصي، بالضعيفة، من هنا قرر افتتاح مشروعه «مقهى أرباب الحرف» ليجمع فيه بدايةً كل محبي الفن والثقافة دون مقابل في مكان واحد، جمع أصحاب الحَرف من أدباء وشعراء وكتّاب، والحِرف من فنانين موسيقيين ورسامين وصنّاع أفلام، وأصبح لكل من هؤلاء مجلس خاص يجتمعون فيه؛ ليتبادلوا الخبرات والنقاشات والأفكار، ثم أصبحت هناك ورش عمل للهواة ومحبي الفن. وعن توجه الحكومة السعودية نحو الفن، قال الحضيف لـ«سيدتي»: «الدولة الآن واعية بالتغييرات العالمية وكيفية مواكبتها، اهتمام الدولة بالفن يأتي لسببين؛ الأول: وجدت أن دعم الفن سبيل للانفتاح نحو العالم والتركيز عليه رسالة سلام، أما الثاني: أن الفن هو داعم اقتصادي كبير لها، فالمملكة تتمتع بمكانة دينية وثروة سياحية وتراثية ثقيلة».
في اليوم العالمي للفن.. هل للفن تأثير على الإنسان؟
- ثقافة وفنون
- سيدتي - منى باشطح
- 16 أبريل 2018