سؤال فلسفي، أعاد المخرج الروسي الشهير "اليكساندر ميدفيدكين" طرحه خلال العام 1935، عبر فيلمه الكلاسيكي الصامت "السعادة"، وهو أحد الأفلام المميزة في تاريخ السينما العالمي، والذي تم اكتشافه مؤخراً، حيث سأل "ميدفيدكين" حينها هذا السؤال الجدلي، الذي لم يتم العثور على إجابة له إلى الآن، "ما هي السعادة؟"، وتعود لجنة السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان، لتطرح على الحضور هذا السؤال مرة أخرى بعرض هذا الفيلم الكلاسيكي، وذلك في مقر المؤسسة في جبل عمان في العاصمة الأردنية.
السعادة حين تكون.. كوميديا سوداء
يروي فيلم "السعادة"، قصة فلوكلورية روسية، بقالب الكوميديا السوداء، وبحس سيريالي بالوقت نفسه، وتحكي هذه القصة، ما يدور من أحداث مع فلاح فقير اسمه "خمير" -والاسم في الروسية يعني "الفاشل"-، ويحاول هذا الفلاح وزوجته "آنا"، تحسين أوضاعهما المادية، حتى يصلا إلى مستوى معيشي أفضل، إلا أنهما يتعرضان للإضطهاد من قبل عدد من الكهنة ورجال الدين، ويقوم التجار بخداعهما أيضاً، وبالإضافة إلى ذلك كله، يعانيان من جامعي الضرائب، ولا يجذب الفلاح انتباه الحكومة إلا عندما يحاول قتل نفسه، فيُمنع من ذلك بحجة الحفاظ على استمرار الإنتاجية الوطنية.
الفلاح الروسي الفقير "خمير"، يرى بأن السعادة تكمن في المال والسلطة، ودائماً ما يحسد جاره الغني الذي يأكل ما لذّ وطاب دون أي هم أو قلق، فهو –أي "خمير"- يحرس محصولاً تتم سرقته على غفلةٍ منه بكل سذاجة، يزرع ويعمل، وعند الحصاد يستولي على المحصول أقرانه والحكومة ورجال الدين، تاركين له الفتات الذي يجعله يستمر في العمل.
حينها، وبعد أن فاض الكيل فيه، يحاول "خمير" الإنتحار، ويقوم بصنع تابوت لنفسه، يقيسه ويرتبه ليكون على الأقل مرتاحاً في موته، الإ أنه محرومٌ حتى من السيطرة على حياته، فيمنعه رجل الدين بحجة أن قتل نفسه يعتبر خطيئة، ويمنعه المسؤول الحكومي بحجة أنه "إن قتل الفلاح نفسه من سيطعم روسيا؟"، وتطلب منه زوجته "آنا" أن يذهب ليبحث عن السعادة، وأن لا يعود خالي الوفاض.
ويواجه الفلاح البسيط والفقير، كل شيء صعب في حياته، حيث أن أرضه وعرة، محيطه ظالم ومحبط، وحتى حصانه ضعيف، ما يجعله مُضطراً إلى استبداله من خلال مشهدٍ مؤثر بزوجته القوية، التي يرد اسمها في عناوين الفيلم على انها "الزوجة – الحصان"، لكي تجر المحراث وتحرث الأرض وتفلحها وتسقيها من دلوٍ تشرب منه كما الحصان، كل ذلك في تجسيدٍ لحال الفلاحين والعمال تحت الحكم القيصري، كل ما يستطيعه الفقير هو الحلم، أن يحلم بحياةٍ أفضل مليئةً بالغناء والورود، يكون فيها مالكاً لا مملوكاً، قيصراً يشبع ويرتاح وينعم برخاء العيش.
أمور أخرى عن العمل
يعتبر الفيلم نقداً سياسياً واجتماعياً لحال روسيا في حقبة حكم القيصر، وما عاناه الشعب الروسي من ظلمٍ واستبداد على أيدي النظام ورجال الدين في تلك الفترة، حيث يقدمه "ميدفيدكين" في مشاهد رائعة مليئة بالأفكار الذكية والسريالية اللاذعة، تشبه ما نراه في أفلام المخرج الإسباني السريالي "لويس بونويل"، ويُشار إلى أن "ميدفيدكن" كان من أهم المخرجين الروس المثيرين للجدل في تلك الفترة، فقد تعرضت أفلامه للمنع من العرض لعدة أعوام طويلة، نظراً لحسّها الفكاهي الناقد والذي اعتبر معادياً للحكومة حينها.