الدراما مساحة مليئة بالشجاعة، ففيها يمكن للعوالم المتنازعة أن تلتقي، وفي مسلسل «طايع» يكشف لنا المؤلفون الأشقاء محمد وخالد وشيرين دياب، عالماً من الصراعات القديمة والمألوفة في صعيد مصر وهو عالم الثأر، وإن كان هنا قد ارتدى ثوباً ملحمياً عظيماً في إنسانيته، فالصراع هنا ولد من رحم «طايع» الشاب الصعيدي الطيب الذي درس الطب «عمرو يوسف»، ويرفض الثأر الذي يوغل الحقد والكراهية في النفوس، بسبب رأيه وأفكاره يدخل في العديد من المشاكل، ويتورط في قضايا تهريب الآثار وأشياء أخرى، هو طوال الوقت يهرب، ويفضل دخوله السجن؛ خوفاً من مجهول ينتظره في الخارج، وعندما يخرج يقحمه القدر ليكون طرفاً أصيلاً في اللعبة، وهو يؤمن بأن ما يفعله من أجل إنقاذ عائلته، وخاصة أخاه الصغير فواز «أحمد داش»، ثم زوجته مهجة «صبا مبارك»، وطوال الرحلة لم يسلم من تهديدات المعلم حربي «عمرو عبد الجليل»، رجل ذو سطوة ونفوذ في تهريب الآثار، ويظل الصراع قائماً ليس فقط بين أهل الخير والشر، ولكن في عقل وقلب طايع أيضاً، الذي يتزوج من مهجة رغم أنف الجميع بمن فيهم أهل زوجته، وأيضاً تربطه علاقة صداقة مع الضابط سراج «محمد على» الذي يقف بجواره.
المخرج عمرو سلامة أبدع بتجربته مع «طايع»، وفي التعامل مع شخصياته، التي قدمت أجمل أدوارها، وكذلك في تصوير القصة بسيناريو شديد الحبكة والإثارة، لدرجة تجعلك كمتلقٍّ تنتظر بشغف ما سوف تسفر عنه الأحداث، بالتأكيد سينتصر طايع في النهاية؛ لكن ثمة تساؤلات كثيرة يطرحها العمل عن قيمة التضحيات التي يمكن أن يقدمها بطلنا؛ حتى يفوز على كتلة الشر المتمثلة في حربي.
عمرو يوسف قدم دوراً مهماً في مسيرته واستطاع تغيير جلده، وكان أداؤه رائعاً في أكثر من اختبار درامي قاسٍ، حتى وإن افتقر إلى لغة الجسد، لكن الأداء كان مطمئناً ومفعماً بالمشاعر وتعبير الوجه والعينين، وخاصة في مشهد مقتل أخيه فواز بالرصاص، والذي أبكى الجميع، وقد بدأ المشهد عندما طلب سيد القبيلة حربي من طايع أن يسلمه زوجته الحامل مقابل ترك أخيه، لنفاجأ بفواز يطلب من أخيه عدم حضورها، وهنا انطلقت الرصاصات في صدره، لنجد طايع يرقد على الأرض منهمراً في البكاء، ويبدأ خيط جديد في الملحمة الصعيدية، وهو المشهد الذي استحوذ على نسبة كبيرة من المتابعة على مواقع السوشيال ميديا، بينما جاء عمرو عبدالجليل صاحب الأداء المحترف؛ لإضافة لمسة خاصة ومميزة على العمل، وكذلك كان هناك نضج كبير من صبا مبارك التي تفوقت كامرأة صعيدية تواجه صراعاً كبيراً بين رفض أهلها لطايع وحبها له، كما لفت علي قاسم الأنظار بشخصية ضاحي ضمن أحداث المسلسل، ويظهر ضمن الأحداث نجل حربي الذي تزوج من مي الغيطي شقيقة طايع حتى يضمن ولاءه، ولكنه يقع في حبها سريعاً وينقذها من الموت بعد أن حاولت الانتحار. بينما جاء أداء الصغير أحمد داش كبيراً وناضجاً والواقع أن النصف الثاني من العمل أهم وأقوى، ليبقى مسلسل «طايع» من أفضل الأعمال الدرامية بالجهد الواضح من صناعه، ومنهم مدير التصوير بيشوي روزفلت، بكادراته الملهمة بالأحداث، وإضاءة شبه ظلامية لعبت دوراً درامياً مهماً في الإيحاء بواقع ملبد بالغيوم ورائحة الموت وخاصة في الحلقات الأولى، بينما جاءت موسيقى طارق الناصر عنصراً مساعداً في التفاعل بين الصورة والحوار، وقد تجلت في أكثر من موقف مؤثر.
ستظل دراما الصعيد عنصراً جاذباً وخاصة لأهل الريف والقرى الذين يهوون الحكايات الدرامية ويلتفون حولها، وهو ما تحقق مع طايع رغم وجود منافسة أخرى على شاشة رمضان من عملين هما «نسر الصعيد» و«سلسال الدم».
«طايع» مساحة درامية تجمع العوالم المتنازعة بصعيد مصر
- مشاهير العرب
- سيدتي - خالد محمود
- 05 يونيو 2018