واحد من أهم الأِشياء التي نفتقدها أحياناً، نحن العاملون في حقل النقد الفني، هو افتقادنا لمتعة الفرجة في الأعمال الدرامية، ونحن نتابعها مأخوذين بهاجس التدقيق في كل ما يتعلق بعناصر صنعتها الفنية، على نحو نلجأ أحياناً إلى إعادة مشاهدة مسلسل ما، بحثاً عن متعة الفرجة فيه فقط.
اليوم انتقل هاجس النقد والتحليل إلى الجمهور، وذلك حق له لا خلاف حوله، فهذه الدراما صنعت من أجله بالأساس ومن حقه أن يحاكمها، ولاسيما أنه بات يمتلك الحد الأدنى من معايير الحكم على مستوى العمل الفني، إلا أن من الجمهور من بالغ بهاجسه النقدي هذا على حساب ذائقته للعمل وحكايته، مما فوّت عليه أحياناً متعة الفرجة والقبض على المخزون الوجداني العالي الذي يختزنه مشهد في مسلسل، وذلك لانشغاله بالكشف عن خطأ حدث في راكور هذا المشهد (يعرف راكور المشهد بأنه أي قطعة موجودة في المشهد ويفرض المنطق وجودها في المشهد التالي).
حدث ذلك على الأقل في ثلاثة مشاهد اتفق النقاد والجمهور على أهميتها، أولها في الحلقة الأولى من المسلسل المصري "رحيم"، حيث يقوم رحيم (الفنان ياسر جلال) بتحميم والده (حسن حسني) وحلاقة ذقته، بعد أن أهمل هذا الأخير العناية بنفسه طيلة سنوات سجن ابنه رحيم.
ورعم أن المشهد نُفذ بحرفية عالية من دون حوار، اعتماداً على الموسيقى وإيماءات وجهي الفنانين وحركة جسدهما...إلا أن البعض انشغل عن متعة هذا المخزون الوجداني الكبير بين ولد يحنو على أبيه، وراح يقلل من صنعته العالية وهو يشير إلى أن رجلاً قضى يهمل حلاقة لحيته كل هذه السنوات كيف لا تكون كثة خلافاً لطول اللحية التي ظهر بها الفنان حسني...؟!
وفي المسلسل الكويتي "عبرة شارع" سيصل الأخ "داوود حسين" إلى نقطة تحول في حبكة شخصيته الدرامية، يتمرد فيها على سطوة وجبروت أخته (سعاد عبد الله) فيرتفع صوته صارخاً قبل أن ينتقل إلى شرفة البيت ليواصل الصراخ.
وبينما تناقل النقاد والمشاهدون مشهد "الصرخة" واعتبرته إحدى الصحف بأنه مشهد يستحق دخول قائمة أجمل المشاهد في الموسم الحالي، وأن صرخة داوود فيه تستحق الأوسكار... خرج من يعلق على المشهد، وهو يشير كمن "أخرج الزير من البير" خطأ في الراكور حدث بين المشهد داخل البيت واستكماله في الشرفة، التي يظهر دوواد فيها وهو يلبس (نظارته الطبية)، بينما يكون من دونها داخل البيت.
خطأ راكور النظارة لا يختلف عليه اثنان، لكنه خطأ يصغر أمام ضخامة أداء الفنان داوود حسين ونجاحه في تجسيد مشهد يحتاج لبراعة في إدارة جسد الممثل أكثر من كونه مجرد إيصال انفعال الغضب بصوت عالٍ.
بالمثل ستطل الفنانة شكران مرتجى في المشهد الأخير من الحلقة 18 في المسلسل السوري " وردة شامية" حين تكتشف القاتلة (شامية) أن ضحيتها حامل، وأنها تكاد أن تقذف الطفل من رحمها في الوقت الذي كانت فيه تلفظ أنفاسها، فتسارع (شامية) لمساعدة ضحيتها في وضع طفلها، قبل أن تموت هذه الأخيرة، تاركة شامية غارقة بدم الولادة وحسرة ما فعلت يديها.
قليلات هن من يستطعن تجسيد مثل هذا المشهد الذي يتطلب انتقالاً دراماتيكياً سريعاً بين حالتين متناقضتين، وبالتالي كان يحتاج لممثلة تصل بالمشاهد حد التعاطف مع قاتلة ينفطر قلبها على موت ضحيتها، ذلك المشهد بكل ما يختزنه من طاقة عالية، لم يمر من دون أن يخفف من وقعه سؤال استهجان مفاده: كيف لا تنتبه شامية إلى انتفاخ بطن امرأة في شهرها السابع...؟
اعتراض الجمهور على خطأ الراكوار في مسلسل "عبرة شارع"، واحتمالية الصواب والخطأ في اعتراضه على المشهدين في مسلسلي "رحيم" و"وردة شامية".. فوّت على أصحاب الاعتراض، بالغالب، متعة الفرجة والأداء في تجسيد هذه المشاهد الثلاثة.
لا نمنح هنا صك براءة لأحد من أخطاء الراكور، ولا نهضم حق المشاهد في تقييم الأعمال الدرامية بل ونثق بقدرته على فعل ذلك في كثير من الأحيان، ولكن كل تلك الأعمال وضعت متعة الفرجة في قائمة ما تهدف إليه، فلماذا نفوت القبض على تلك المتعة وننشغل باقتناص خطأ ندرك ان أصحابه، من الفنانين الذين نثق بهم، لو أدركوه ما فعلوه.
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا أنستغرام سيدتي